Sunday, May 25, 2014

رُكنَك يا عزيزي


في الركن الصغير
بين كتفي ورقبتي
أخفيك عن العالم
يجب أن تغمض عينيك
المقابلتين لخط الكتف
وتتنفس بعمق
سيصلك الفلّ
لأني أهتم لأمرك يا عزيزي
الفلّ دائمًا
رائحتي..
يجب أن تصمت كل الأصوات
برأسك
وتدع الموج من خلفه موج
من فوقه موج
الدائر بداخلك
يطفو على السطح
يقول كلامًا
ينزل من عينيك
يبلل صدر ثوبي
يصل للأرض
يسقي الزرع
ينبت ريحانًا وياسمين
ونخل
يسندك
يقيم ظهرك
يصفّي داخلك..
تعتدل
تفكّ ذراعيك من حولي
تبتسم
جدًا
جدًا
..
__________________
نُشرت على الفيس بوك
29-8-2013

خاطر مفزع



فيه شيء مفزع بخصوص كرب ما بعد الصدمة، ده إذا مكانش كله مفزع: إنك بتشكك في مشاعرك.. تحس بشيء ما، تحس إنه أصلي جدًا ونابع من جواك ولازم تجري وراه، زي مثلاً - مثلاً وليس حصريًا - إنك تفتكر صاحبك اللي استشهد، سواء كنت جنبه ولا سمعت وإنت قاعد في الشغل لا حول لك ولا قوة، سمعت بالخبر فتنحت للشاشة كتير جدًا، وبعدين أخدت إذن وطلعت تجري في الشوارع وخطوتك مش مساعداك إنك تمدّ، خصوصًا إنك قررت اليوم المنكود ده تلبس جيبة مش بنطلون.. وصلت للمستشفى ومعرفتش تشوفه، سندت ناس كتير وقعت ع الأرض، سبتهم كلهم وروّحت لوحدك وإنت مبتحبش تروّح لوحدك.. 

أهو ده بالتحديد، الاسترسال السابق ده، سيبان نفسك للمشاعر تجرفك وتقعد تفكر وتفتكر وتعيد وتزيد مع نفسك، تحديدًا ده اللي بيفشخ الواحد.. معذرة مش لاقية تعبير آخر يعبر بدقة عن الدماغ لما تتفرتك وتروح ميت حتة، لمجرد إنك افتكرت لمحة عابرة من يوم تقيل عدّى عليك.. 

نرجع للنقطة الأولانية: المفزع في الأمر إنك لما تحس بكده وتنجرف ورا إحساسك ده، بتقع على الأرض من الفرتكة والألم ورغبة عنيفة في الصراخ وعنف موجه للأشياء طالما مش قادر توجهه للأشخاص.. في هنا تحس بالخديعة: يعني مشاعري بتعمل ليه فيا كده؟ 

مع الوقت والتمرين والإدراك المستمر لحالتك وللتغيرات اللي بتحصل لك، ح تتعلم تكبح مشاعرك، تكبح الاسترسال في الحاجات الوحشة، في الأوقات السيئة اللي عدت عليك، في المناظر والمشاهد اللي بتغمر عقلك فجأة... صدقني ده صعب جدًا، بس الأصعب والأنكى منه إنك تسيب نفسك للمشاعر دي أو لاسترسالات الصور والمشاهد والأحداث اللي عدت عليك أو قريتها أو شفتها..

مع الوقت بتحس إن مشاعرك فعلاً بتلعب بيك، وإن عقلك مش ملكك، ده بيتصرف بإرادة خاصة بيه، إرادة فرضتها عليه الصدمة، يعني هو مسكين مش شرير، هو بس مش عارف يتصرف إزاي.. 

عشان كده الأدوية مهمة، الأدوية بتغير في كيميا المخ.. فلو افترضنا إن العنصر ص - هو عنصر حقيقي بس مش متذكرة اسمه - المسؤول عن الإحساس بالنكد والغلبة على أمرك والاستسلام والهزيمة، ييجي الدوا - نحمد الرب على نعمة الدوا حتى لو كان غالي أو ليه أعراض جانبية - يقوم يحط جوه دمك العنصر م، اللي بيقاوم وبيخفف من تأثير العنصر ص، تقوم متحسش بالمشاعر دي، أو تحس بيها على خفيف.. 

الكلام برضه مهم.. إنك تتكلم عن ألمك وتقول كده "أنا حاسس بالألم". .إنك تدي مشاعرك أهمية لدرجة إنك تتكلم عنها ومش تتجاهلها، إنك تقول لها أنا معترف بيكي مع إنك بتفشخيني، ح اطلعها للعلن.. صدقني، أو متصدقنيش، جرّب بنفسك، لما تتكلم ألمها بيخف شوية جواك، بيخف حاجة بسيطة، بس تكرار الحكي بيجفف المشاعر المصاحبة للكلام أو الذكرى اللي بتقولها، بالتالي لما تهجم عليك تاني وتفتكرها مش ح تتألم نفس الألم السابق، وندعو الله إن الألم يختفي تمامًا.. 

نقطة تانية بخصوص الكلام، إنه بيساعدك على ترتيب مشاعرك وأفكارك. تخيل إن الخلية العصبية عبارة عن كورة متفرع منها كور تانية مرتبطة بروابط عصبية للكورة الأم، وإن مشاعرنا وأفكارنا مترتبة جوه دماغنا بالطريقة دي. لما تتكلم بتحط روابط وعلامات وتجيب من هنا تحط هنا بالنسبة للمشاعر/الأفكار/الخلايا العصبية.. ده مريح نسبيًا لأنه بيجاوب على أسئلة كتيرة، وكمان بيرتب الدنيا في دماغك، فتحس إن "الرابط العجيب" اشتغل وفهمت حاجات، ورتبت حاجات جنب بعضها.. 

...

الطريق طويل ومش سهل، افتكر كمان إن الاضطراب ده بيخلي الواحد يتساءل عن كل ثوابته وإيماناته ومعتقداته، بيخليه مش واقف على أي أرضية من أي نوع، وده مؤلم جدًا، مؤلم لدرجة النشع على ألم جسدي رهيب، لغاية ما ربنا يكرمك وتبتدي تحط بنفسك قوالب طوب تبني بيها أرضيتك، كإنك طفل صغير بيتعلم ثوابت الأشياء من أول وجديد، وإنت ونصيبك، يا وقفت مسنود يا وقفت معووج..

بس ربنا مبيسبش حد.. ربنا مبيسبش حد..

________________
نُشرت على الفيس بوك
21-10-2013

من وسط الأنتي هيروز



لما كنا في الكلية، درسنا مفهوم الأنتي هيرو أو نقيض البطل. كنا بندرس حقبة ما بعد الحرب العالمية التانية، وقالوا لنا إن بعد الحرب، الشباب فقد بوصلته. الشباب اعتبر إن معركته الحقيقية بتاعت الأمل والشرف والبطولة والتضحية انتهت، ومبقاش حاجة يعملها في الدنيا غير إنه يعيش واحد عادي، يروح الشغل ويرجع، بدون بطولات حقيقية أو حروب قوية يستعرض فيها مفهوم البطولة والشرف والقوة بمعانيهم الفجة، الصريحة.. بقيت حربهم الحياة اليومية، وشيئًا فشيئًا تحول الميدان من ضرب بالرصاص إلى ميدان الحب.. بقيت معركتهم الحب، ومحاولة النجاح فيه والفوز بقلب المحبوبة، وإنهم يعيشوا في تبات ونبات ويخلفوا صبيان وبنات.. حسّوا بأد ايه بقيت معاركهم قليلة المكانة وبهتانة زي الحب، وإن الواحدة لو اديتهم كتف ومشيت وسابتهم يبقوا خسروا في معركة حياتهم..في الفترة دي تحديدًا طلعت الشعارات الطنانة الكبيرة لأنهم كانوا بيحاولوا يتعرفوا على نفسهم ويفهموها أكتر، بعد سنين من محاولة العيش والبقاء على قيد الحياة، مجرد الأكل والشرب ومحاربة الموت..
بافكر حاليًا، بعد ما جات لنا ثورة، أكيد رجعنا نبقى "أبطال" بدل من نقيضي البطل.. جات لنا فرصة نقف في وسط معارك حقيقية، وناس بتموت، والشرف والصمود والمقاومة رجعت لها معانيها الأولية الفجة، وجات لنا فرصتنا أهو.. بس اللي حاصل كان مزري بشناعة.. عزّل، لا أسلحة، إلا لو اعتبرنا الطوب والمولوتوف أسلحة قاسية في وضاعتها وقلة حيلتها. بنقف لوحدنا، بنموت لوحدنا، جنازاتنا بيحضرها موتى محتملون، ولا فيش حق يتجاب ولا صراخ نافع..
المعركة أكبر منا صحيح، بس عدد مننا قرر مواصلتها حتى النهاية، نهايته هو بالطبع لأن الرصاص تحقيقه أسرع من العدل، أسرع من الحق، أقوى من الخير، أمضى من الشجاعة، بس هو بشجاعة نادرة ورغبة عنيفة إنه يدي لحياته وموته معنى قرر المواصلة.. يمكن هما دول الأنبيا، هما دول الملايكة، هما دول الأبطال الخارقين، هما دول أحفاد أطلس حاملي العالم على أكتافهم، هما دول اللي لو اتحدوا وقرروا يعيطوا ح تعم الفيضانات العالم، ولو قرروا يحكوا النوم ح يطير من أجفان بقية المترددين الخائفين في جلدهم، من هول اللي ح يسمعوه..
في ذكرى نوفمبر 2011، أهديهم تحياتي ودعواتي وصلواتي بأن تكون حياتهم زي ما خططوا لها، وموتهم رحيمًا بلا ألم..
__________________
نُشرت على الفيس بوك
17 November 2013

لا تقع في حب فتاة تملك مدونة


لا تقع في حب فتاة تملك مدونة. ستكتب عنك في مدونتها، ثِق في ذلك. لكن كيف؟ تلك هي المشكلة.
أولاً ستخاطبك في أفكارها، ستخلق منك نسخة تحاورها داخل عقلها، ويحتدم الجدل بينكما فتفرغ هذا الحوار على المدونة، وتغضب منك في الحقيقة. ستقابلك بالاتهامات، وتجد نفسك مجبرًا على الدفاع عن نفسك من أشياء لم ترتكبها وكلام لم تقله بالأساس!
لن تتوقف عن مخاطبتك في أفكارها بالمناسبة، وستحمّلك مسؤولية كل ما يعنّ لتفكيرها، وستدفع أنت الثمن!
ثانيًا: لن تذكر اسمك مطلقًا على المدونة، كيلا يعرفه الآخرون، نوع من الغيرة البدائية كما تعلم. فكما تعرف، أنت “حبيبها” ملكها وحدها، واسمك - وإن أخطأت لفظ اسمك - يحق لها وحدها معرفته. هنا ستقع في حيرة دائمة: هذا الذي تتحدث إليه بضميرالمخاطب، أنت؟ أم من؟
ستقابلها لتسألها عمن كتبت عنه، سترفع أنفها بإباء وتطلب منك ألا تسألها عما تكتبه على مدونتها لأنها مساحتها الشخصية وهي حرة فيها إلخ إلخ!
ثالثًا: أنت بطة ميتة لو لم تتصل بها لحظة نشر التدوينة الجديدة! يجب أن تتصل بها/تكتب لها مهنئًا/معاتبًا/مشجعًا/أيًا كان رد فعلك. هي تعتبر المدونة من وسائل التواصل مع الآخرين، خصوصًا أنت، بل معك وحدك في بعض الأحيان، ويجب أن تظهر اهتمامًا خالصًا بما تكتبه، حتى لو كان غير مفهوم، خصوصًا لو كان غير مفهوم!
رابعًا: يجب أن تلاحظ أسلوبها في الكتابة، وهل سيتحسّن أم لا، لأنها تنتظر منك تعليقات من مثل هذا النوع، وإطراءات، خصوصًا الإطراءات!
خامسًا: ستنشر ما تعتبره أنت خصوصيًا على المدونة ليقرأه الجميع. لا تتشاجر معها وتمالك أعصابك.
سادسًا: تجاهل تتبع نفسك/البحث عن الكلام الموجّه إليك على صفحات مدونتها، تعامل معها على أنها موقع إخباري عادي، يخبرك عما تريد حبيبتك قوله.
سابعًا: تقبّل المدونة كغريمك الذي يشاركك أفكار حبيبتك وقلبها ومحبتها واتجاهها بالعناية نحوها ونحوك. لا تقلق، في أحيان ستفضّلك عليها، وأخرى ستغلق في وجهك الباب لتجلس إليها وتكتب بسرعة ودون محو للأخطاء الإملائية. لا تغضب. اتركها لوقتها، وستعود إليك.
ثامنًا: عندما تصمت عن الكلام معك سواءً أمامك أو على الهاتف، فاعرف أن تدوينة جديدة في الطريق، وأنك على صواب في 90% من الحالات. احرص على حلّ المشكلة بسرعة لو كانت هناك واحدة، وافهم منها ما تريد قوله بدلاً من قضاء الوقت محاولاً فكّ ألغاز ما ستكتبه على المدونة!
تاسعًا: يجب أن تكون مشاعرك صادقة، وألا تكذب عليها، حتى لو سبّتك على المدونة، ونعت تصرفاتك معها.
عاشرًا: لو رأيت فيها بذرة أدبية ما، شجّعها، وحاول نشر نصوص تراها الأفضل من مدونتها. سيسعدها هذا كثيرًا، صدقني!

_________________
نُشرت على الفيس بوك

25 December 2013

إنت مش لوحدك: عقدة الناجي



واحد من ردود الأفعال الشائعة حاجة معروفة دلوأتي باسم "عقدة الناجي" . لأنه اللي بيحصل إنه بمجرد انتهاء الشيء اللي بيمثل تهديد مباشر لحياة الواحد وتبتدي عملية الشفاء، بيظهر الذنب على السطح كون إن إنت نجوت بينما الآخرين ماتوا. دايمًا بتتشاف "عقدة الناجي" على إنها أحد أعراض "كرب ما بعد الصدمة" أو PTSD، وهو الاضطراب اللي ممكن ييجي لأي حد عاش حدث مروّع، زي جريمة عنيفة أو في حالتنا هنا، مجرد إنه كان في مكان بيحتوي على موقف فيه متظاهرين – داخلية أو جيش. وممكن يحصل برضه في مواقف الفقدان – لو كنت بتعتني بشخص واتوفى. بل إن كمان عمال الإنقاذ والدكاترة ممكن يعانوا من عقدة الناجي لأنهم حاسّين بإنهم مساعدوش المرضى كفاية، وماتوا بعد كده.
.
.
كون إن الواحد يصاب بموضوع "عقدة الناجي" أو لأ ده بيعتمد على تركيبته النفسية وخلفية منشأه، لأن فيه عوامل مساعدة على الإصابة بكرب ما بعد الصدمة: إصابة سابقة بصدمة (تروما) أو اكتئاب أو قلة الدعم الاجتماعي اللي ممكن يحصل عليه الواحد، لأن الواحد ساعتها بييجي له إحساس قوي بالمسؤولية تجاه الآخرين. وحيث إن عقدة الناجي جزء من كرب ما بعد الصدمة، فهي بتيجي مصحوبة بأعراض مشابهة للكرب: زي القلقلة والاكتئاب ومشاكل في النوم وفقدان الهدف والانعزال الاجتماعي، وكمان استرجاع أجزاء من الحدث الصادم، بتقتحم دماغك من غير ما يبقى لك يد فيها، أو الإصابة بوسواس متعلق بالحدث. لكن يبقى العامل الأبرز وهو الشعور بالذنب لأنك نجوت بينما الآخرين لأ، والتسخيف من أهمية النجاة الشخصية من الحادث.
.
.
لو سبت حكاية  "عقدة الناجي" بدون علاج، ممكن الأمر يتطور للإصابة بالاكتئاب الجسيم، وفي بعض الأحوال ممكن تؤدي للانتحار. ولسوء الحظ كونها جزء من أعراض كرب ما بعد الصدمة بيخليها تتساب من غير علاج، بل إن المصابين بيها أحيانًا ميعرفوش إن أساسًا فيه علاج ليها. لكن هناك بعض الخطوات ممكن تتبعها عشان تحس إنك أفضل.
.
.
أولى الخطوات إنك تسيب لنفسك الوقت عشان تحزن وتتعامل مع الفقدان. لما بتتجاهل حاجتك لأنك تحزن شوية، الأمر ممكن يتطور للإحساس بالذنب. من المهم أن تستغرق الوقت عشان تفتقد الراحلين، أو إنك تحس بغضب من أجل خسارتهم. من المفيد كمان إنك تلاقي ناس عشان تتكلم معاهم عن التجربة دي. الناجين بيحتاجوا للتأكيد على إنهم بياخدوا بالهم من نفسهم، عاطفيًا وجسديًا، وإنهم يبعدوا عن المخدرات والكحول. إذا ازدادت المشاعر سوءًا، ممكن يساعدك إنك تتجه للعلاج النفسي لأنه ح يساعدك إنك تعرف منين جاي الإحساس بالذنب وإزاي تقدر تتغلب عليه وتصفّيه خالص وتعيش مستريح، ولو شوية.
.
.
ايه اللي ضرّني وأنا فاكره بينفعني:
ح أعرض عليك بعض الحاجات اللي عملتها واللي مأفادتنيش. لو إنت بتعاني من الإحساس بالذنب دلوأتي أو استمر الإحساس ده معاك، أنا باقولك أهو على الحاجات اللي مفروض متعملهاش:
حرمت نفسي من الشعور بأي شيء تجاه حوادث القتل، وقلت لنفسي حاجات زي: "إنت متضايق من ايه؟ ما إنت أهو سليم وبخير."
قارنت نفسي بالناس التانيين، وقلت إنهم عندهم قدرة أكبر مني على المقاومة، أو دول هما اللي ليهم الأحقية إنهم يحزنوا.
قلت لنفسي "ما تشد حيلك كده بلاش دلع" و"امسك نفسك" و"خلّي جلدك تخين، مفيش حاجة تعلّم فيه".
إديت ودني للناس التانية اللي عمالة تقولي إني محتاج اتخطى اللي حصل، وأفكر في أفكار إيجابية، وأركز على الجانب المشرق، وإني أشعر بالامتنان إني لسه حي.
داويت نفسي بالكحول والأقراص المنوّمة.
زقيت نفسي إني أمارس شغلي باعتيادية ولا كإن حاجة حصلت، وحرمت نفسي من أي وقت اقضيه في الحزن.
ايه اللي نفعني فعلاً
في حالتي أنا، ولسوء حظي استمرت مرحلة "ايه اللي ضرّني" لوقت طويل نسبيًا، 6 شهور. لكني في الآخر ابتديت إني ألاقي طريقي للخروج من الحالة دي. ح اعرض عليك الحاجات اللي ساعدتني واللي ممكن تساعدك إنت كمان:
الكلام مع مستشارة في موضوع الحزن والصدمة، وإني سبت نفسي تصدق بجد لما قالت لي "إنت عشت حدث صادم (تروما)، من الطبيعي جدًا إنك تحس بالطريقة دي."
أسيب نفسي للحزن، والعياط.
إني ابذل جهدي مع المستشارة لتصديق إني فعلاً مكانش في إيدي حاجة أعملها، وإني افتكر كل الحاجات اللي اعملها عشان أساعد الناس اللي اتأثروا بحوادث القتل.
أتعامل مع نفسي بالراحة، وأسّكت الكلام الداخلي اللي عمال ينقدني ده، مؤمنًا إني  عملت كل اللي اقدر عليه في ظل الظروف اللي اتفرضت عليا.
مارست اليوجا كتير أوي.
قعدت اتأمل، وأقول لنفسي كلام لطيف جدًا وطيب، وقدمت لها (نفسي) التقبل المتعاطف لأي مشاعر أو أفكار تيجي على بالي.
اكتب مشاعري، لدرجة إني كان ممكن أملا تلات صفحات من يومياتي بأي أفكار تيجي على بالي، كل يوم صبح.
إني ألاقي طرق مناسبة ليا لخدمة الناس اللي اتأثروا أثر مباشر بحوادث القتل، وللآخرين بشكل عام.
وفي النهاية، لقيت طريقي للشعور بالامتنان كرد فعل طبيعي ينبع من القلب اللي لقى اللي يسمع له ويعالجه، بدلاً من محاولة التنكّر لحزني.
.
.

الخلاصة: حاول تساعد نفسك واطلب مساعدة الآخرين، مش عيب على فكرة، ولا كون إن إنت الجدع أو الفتك اللي فيهم ح يخلي منظرك ضعيف قدام التانيين لو طلبت المساعدة. بالمناسبة إنت ح تطلبها من أصحابك اللي بجد، وأهلك والمقرّبين ليك، ودول لازم يساعدوك في موقف دقيق زي ده. وكون إنك "الدرع" اللي ساند عليه بقية أصحابك أو الناس من الحركة السياسية اللي إنت منتمي ليها، ده لا يمنع إطلاقًا إنك "تريّح" شوية وتاخد حبة وقت لنفسك، تتأمل وتوصل لحل لمشاكلك الداخلية والأصوات اللي بتتخانق جوّاك. لنفسك عليك حق، خليك فاكر ده.

_____________________

ترجمة بتصرّف للمقالين


http://www.ivillage.com/dealing-survivor-s-guilt/4-a-315489 

http://marianne-elliott.com/2011/02/surviving-survivors-guilt/
نُشرت على الفيس بوك
31 December 2013 

بنكره نفسنا بأمر ستو الحاجة

هو ليه إحنا كمجتمع بنات، قاسيين على روحنا واصحابنا وأهلنا؟

القسوة دي بتتجلى في قصص عشتها بنفسي. ح اتكلم عن واحدة منها دلوأتي، وأنا بحاول اتغلب على خجلي. هو "ميصحش" طبقا للقانون الاجتماعي غير المكتوب إني اتكلم فيه في مجتمع فيه ولاد، بس طز الحقيقة في أم القانون الاجتماعي بتاعنا ده -_-

كنت مرة في ورشة عمل للشباب الصغيّر - إحنا بنسميهم مراهقين تكبرًا منّا -_- - وكانت معانا مدرّبة انجليزية، حصل موقف ما كده في نهايته إحدى المدرّسات المشاركات جات واعتذرت للمدرّبة إن فيه بنت مش ح تقدر تكمّل، وح تاخد فترة راحة بسيطة. المدرّبة سألتها ليه، قالت لها المدرّسة عشان "ستّو الحاجّة" جاتلها.

المدرّبة البريطانية كان ردّ فعلها: Oh! Bless her.

أو "بوركت"، أو "حفظها الرب"..

ردّ فعلها أثّر فيا جامد. أنا عمر ما حد اتعامل معايا أو مع البنات اللي اعرفهم على اعتبار إن الموضوع ده "ابتلاء" أو محنة الواحدة بتعدّي بيها ولازم نساندها. كان كل اللي بيتصدّر لنا من مشاعر أو أفكار أو كلمات إننا جُناة مذنبات مسؤولات عن الأمر ده، ولا بد إننا نتعاقب. في الحقيقة الأمر كله مثير للسخط والحنق والغضب والاستياء... كون إن الست دي تعاطفت مع البنوتة أمر أذاب قلبي وخلاني ح اعيّط كمان شوية. هو إحنا يعني لازم نبقى أغبيا ومتخلفين حتى في مشاعرنا؟

بداية من التحريم الديني: ربنا ريّحنا من الصلاة والصوم، في رأيي عشان منتعبش. الأمر بيكون مرهق فعلاً خصوصًا مع الآلام الجسمانية المنتشرة في الضهر والجنبين والبطن والرجلين، وأحيانًا المفاصل كلها، ده غير الغثيان والحبوب وآلام الصدر والعياط غير المبرر والمفاجئ، وكراهية الدنيا والهشاشة النفسية الرهيبة.. كل ده وكمان مطلوب مننا إننا نصلي؟ لأ ده كده كتير! أنا اعرف ناس كتير مبتروحش  الشغل ساعتها، وبيكون ليهم العذر طبعًا. 

لكن تقول لمين؟ تقول لمين إن ربنا رب الرحمة والرفق واللطف واللين، وإن فيه في الدنيا رحمة واحدة بس شملت كل المخلوقات؟ تقول لمين إن ربنا عفانا من المجهود البدني والعقلي، الصلاة والصوم محتاجين قدرة كبيرة على التصديق والإيمان بظهر الغيب، مش موجودة في الظروف العادية فما بالك بتغيرات هرمونية جذرية بتجيب الواحد عاليه واطيه؟ تقول لمين إن ربنا خفف عنا عشان بيحبنا؟

لأ، ده تلاقي الخطاب الديني بيقول: إن البنات والستات في المرحلة دي بيبقوا "مش نُضاف" أو - لا مؤاخذة - "متوسخين" جسمانيًا وروحيًا، وميصحش يقابلوا ربنا بالوسخ اللي عليهم!!! بدين أمكو يعني؟؟

إذا كان ربنا اللي خلق فينا كده؟؟ فيه حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام كان بيتكلم عن السيدة فاطمة تقريبًا مش متذكرة أوي، وكانت بتعيط عشان مش ح تقدر تطوف، فقام قال لها متزعليش ده أمر ربنا خلقه فيكي، متزعليش من اللي يجيبه ربنا. نقوم إحنا نعكس كل حاجة ونقول ربنا غضبان على الستات عشان كده خلاهم يعانوا كل شهر، ويتمنعوا كمان من الوقوف في حضرته إذا كان صلاة ولا صوم؟ ده من ايه يعني؟

ودخول الجامع. صلاة العيد بيشهدها المفروض كل الناس، وفي حديث عن الرسول حتى الستات بكل أحوالهن بيشهدوها، ايه بقا؟ واحدة صاحبتي جزاها الله كل خير قالت لي في مرة إن المسلمين طاهرين كلهم من النجاسة الكبرى وهي الشرك بالله، وعلى كده ممكن الواحد في أحواله كلها يدخل الجامع، لو ماعرفش يتطهر يعني، ولنتذكر حديث صلاة عمرو بن العاص بالناس وهو مش على طهارة، لما قال للرسول ربنا قال ولا تقتلوا أنفسكم وأنا خفت اغتسل لاموت من البرد!

لو بنوتة مثلاً راحت زيارة للحجاز، سو وات إنها تدخل أحد الحرمين؟ مش الرسول قال للسيدة عائشة متطوفيش بس اسعي بين الصفا والمروة؟ سو وات بقا؟ اعترضوا، اعترضوا على كلام سيدنا النبي!!

...

لما كنت في المدرسة في مطلع الألفية الجديدة كان فيه مدّ ديني قوي جدًا، يذكر إن دي كانت فترة ازدهار عمرو خالد - اللي عمره ما اتكلم في السياسة ولا قال حرام القتل - وفترة الحجاب القسري، واللي مش محجبة بيتبص لها بازدراء على أساس إننا ملكنا مفاتيح الجنة بحجابنا يعني! 

كانت البنات صاحبات زيارة ستو الحاجة بيتبص لهم بقرف شديد، وبيهمشوهم في حصة الدين مثلاً، ولما كنا بنروح نصلّي في الفسحة، كنا بنلم نفسنا ونروح الجامع اللي تحت، واللي متجيش معانا كانوا بيبصوا لها بنفس القرف الشديد والاستعلاء، اللي هو إحنا أحسن منك!

كنا صغيرين، بس نتاج مجتمع كاره ستاته وبناته، وبيتعامل معاهم على الأساس ده، فطلعنا كلنا كارهين نفسنا، واصحابنا، واللي حوالينا. طلعنا نفسيات مشوّهة، مش قادرة تشوف جمالها الخاص، ولا تتعامل مع الدنيا بمنطق الندّية، هات وخد، وأدّي للمجتمع زي ما اخدت منه، وأدّيه على دماغه لو جه على حقي. طلعنا مكسورات بهشاشة كبيرة، منطويات على حزننا الخاص، ونفسنا في كلمة حلوة نسمعها، والأهم، نصدقها..

....

حاشية: كلامي غير قابل للنقاش، أيوة، هي دكتاتورية. واللي ح يقول لي بس الشيخ فلان وعلان وبغبغان قال، ده على نفسه، لما يبقى واحدة ستّ وتحس إنها منبوذة من ربنا وبأمر رجال الدين ويحس بكل الأحاسيس السوداوية اللي ح تحسها، يبقى يتكلم.. غير كده يخرس خالص!!

________________________
21-1-2014

رِيّ


أنا باعتذر لنفسي، حاولت اكتب مشاعري في مقال وابعته، بس مقدرتش.. مقدرتش انسق الكلمات واعملها بالفصحى، مالها العامية؟
أنا مرهقة جدًا. وأنا رايحة لصاحبي أحمد، محبوس برضه، قعدت اتأمل في الشوارع لحد ما كان ح يجي لي جنون. تفاصيل كتيرة جدًا، بتضغط على أصابي . قعدت اتأمل في إيديا. الوردة المرسومة بالحنة. الباليرينا في إسوارة المعصم. انعكاس النور على بلورات الإسوارة. ضوافري الطويلة. طلعت البارفان ورشيت منه ست مرات. بس برضه ريحته موصلتنيش. أحمد في الحبس. أحمد بنشوفه من ورا الباب ذي القضبان. أحمد خسّ أوي، شعره طِول، لسه محتفظ بابتسامته. أحمد النبي.. لينا واحد صاحبنا، أيمن، كان محتجز معاه بس خرج بشكل ما. مطّول شعره ودقنه، مسميينه المسيح. مسيح بيزور نبي. يارب تحصل معجزة ويفرجوا عنهم. يفرجوا عنا. نرحل من هنا. نفرح. يارب نفرح.
ولد صغير، اسمه محمد، من الزقازيق، محتجز مع أحمد، مامته سافرت له وجات بتسلم عليه وتحاول تبوسه من ورا القضبان. ليه مفيش أفلام كتير اتعملت على موضوع البوس من ورا القضبان ده؟ وليه البؤس ده؟ ليه تعذيب الأهالي؟ 
شافته دقيقتين وطلعت. قال لها أنا عطشان يا ماما. أول حاجة جات على بالي إنه بيتكلم مجازيًا. عطشان حرية مثلاً؟ وبعدين لقيت إن أبسط الإجابات قد تكون هي الإجابة الصحيحة والواضحة: الولد عايز يشرب مية. مش بيجيبوا له مية ليه؟ تكدير. أنا عطشان يا ماما. يارب أحمد يفتكر يديله واحدة من قزايز المية اللي والده دخلها له.
أنا عطشان يا ماما..
...
كان فيه فيلم، لاستديو جِبلي، اسمه قلعة السماء. كان بيحكي عن قلعة أسطورية كده عايشة في السما ومتدارية بكذا سحابة ورا بعض. الناس على الأرض كانوا بيسمعوا عنها بس عمرهم ما شافوها لدرجة إنهم طنشوا وجودها تمامًا، وكانوا بيسخروا من اللي يتكلم عنها. فيه بنت صغيرة وصلت لها. القلعة فيها مباني كتير مذهلة، ودهب وفضة ومجوهرات، وخُضرة.. خُضرة كتير. زرع ونجيلة. ورد. فراشات صغيرة. كائنات صغنونة زي أرانب وسناجب. رجال آليين عمالقة بيحموا القلعة.
في يوم ما، زمن ما، ح نوصل للقلعة دي، نعيش فيها، ببساطة، بأمان، بابتسامة كبيرة على وجوهنا، تفاصيل أقل، احتياجات مادية أقل، رضا أكتر. حُبّ، ويمكن كمان أحضان كتير..
وأكيد ح يبقى فيها مية متاحة في كل وقت، كل وقت يا محمد. مفيش عطش. مفيش عطش

_______________________
نُشرت على الفيس بوك

4 March 2014

Dear Ms. Rowling,



Dear Ms. Rowling,

Greetings..

I'm reading HP5, and reached the point where Sirius Black was tortured. I'm so sad, I know that he will die, I watched the movie. I'm 26 years old. I don't want Sirius to die, he is after all Harry's godfather, and his only family.

You know? With Sirius' death I remember everything. There is something heavy lies on my chest and prevents me from breathing.. I was sitting today with an old friend who told me that his beard turned grey from what he saw and heard about the Rab'a massacre, 14-8-2013.. I felt so helpless. I can't save him.. I became so terrified  as I was going home before the curfew began, people are flocking in the streets waiting desperately for any means of transportation to get them to their houses. It was like doomsday, with all these desperately hoping faces searching for a vacant place in a bus. 

It all came to me, with the sight of army soldiers.. After all. I'm traumatised too, and being - thank God - treated from that..

I can't read the rest of the book. The look on Harry's face - in the movie - after Sirius's murder is killing. I can't wipe away the sight of bodies, wrapped in white, waiting for their families to identify and bury them. You know? Even the mosque was attacked and burnt. My doctor says I don't deserve these so awful feelings, none of us deserve them..


I met yesterday a very lovely young man, the most loveable of them all. He is also the only one who still has hope. I told him I'll be selfish and ask him to meet again. Hope is contagious, don't you think?


He kindly agreed. We even listened to good music while we were heading home, and talked about God and His protection and help. I'm really grateful for this young man. His name is Mahmoud. I'm Razan :)..


I flee to Harry's world, but still, I find death.. I'm so sad, heart aches..


So sorry to bother you,

Yours,
_____________________________
Published on FB

29 August 2013

الحب في ليلة دافئة


كنا عند أحمد بعد ما رجع من المستشفى.. مهدي راح البلكونة عشان يشرب سيجارة، وبقيت الناس كانوا بيتكلموا بنرفزة وعصبية، سبتهم ولحقت مهدي.. وقفنا ساكتين. بعدين أنا شميت الهوا، وقلت له: "الله، الهوا ريحته حلوة أوي، وهادية.. عارف؟ الحتة دي" وشاورت له بإيديا الاتنين، قلت له "ما بين إيديا ده جزء هادي ومسالم من الهوا. تعالى اقف مكاني وإنت ح تحس بالهدوء والسكينة. اقولك الجو محتاج ايه؟ محتاج اتنين شاي بالقرنفل، شاي حالي.. سكّرك ايه؟"
ودخلت اعملهوله. لما رجعت اديتله كوبايته، وقلت له دوقه، معجبوش أوي، بس إشطة يعني مشّى حاله..
منصور جه كمان شوية، شاور لمهدي من على جنب، إنه يمشي.. مشي
قعد معايا حوالين الترابيزة، اللي كان عليها طبقة تراب خفيفة. إزيّك؟ الحمد لله أنا كويسة، إنت عامل ايه؟ الحمد لله أهه. وبعدين سكتنا ما اتكلمناش. اديتله الشاي وقلت له جربه، شفط واحدة وسكت، وأنا سكتّ. قعدت اتأمل في الجنينة اللي قصاد بيت أحمد، ومنصور ما شالش عينه من عليا..
رحت قلت له: "عارف الجو ريحته ايه؟" قال لي: "ايه؟" قلت له: "المطر.. عارف لما المطرة تنزل فوق تراب خفيف؟ ده بيبقى ريحة المطر.. أنا نفسي الدنيا تمطر أوي.."
سكتنا تاني، وبعدين بص لي ووشه بيتفرد شوية بشوية، ولمحة حزن بتلوح فوقه، وسألني: "ممكن اسألك؟"
"اتفضل"
"ايه تعريفك للحب؟"
أنا: - الحب؟ إجابة كل الأسئلة.. لما تقف كل الأسئلة اللي مفردغة دماغك يمين وشمال. مش شرط تلاقي إجابة عليها، بس تحس براحة كده. بهدوء وسلام.. سكينة. الحب سكينة..
عارف لما يبقى جواك عشرميت حد في بعضيهم عمالين يتكلموا ويتخانقوا؟ الحب بقى اللي ح يخليك تسكتهم كلهم، وتنساهم، وتبقى واحد.. واحد وحيد..
إنت ايه تعريف الحب بالنسبة لك؟
منصور: - (وعينيه بتدمع شوية) إنك متحسش بالذنب. إن الإحساس المقيت ده أخيرًا يتشال من عليك. إنك تبطل تلوم نفسك. (يمسح  دموعه) عارفة؟ الحب إنك تبقى ريحتك فلّ على طول.
..أنا: - الله! ده أجمل تعريف سمعته للحب
..منصور: على فكرة أنا بحبك
:) ..لحظة صمت، ثم: أنا: على كده إنت ريحتك فُلّ على طول
______________________
نُشرت على الفيس بوك
19 August 2013

ده إحنا قلوب مشتاقة



"إنت الملايكة باستك".. الجملة الأكثر.. امم.. هي تتقال مع ابتسامة واسعة ونية صافية وقلب محب.. حقيقة، وقفت تقولها وهي مش متأكدة تمامًا من رد الفعل.. شاورت على خده من هنا ومن هنا وقالت له: إنت فاكر النغزات دي طبيعية كده؟ لأ، ده إنت لما اتولدت، والملايكة عرفت إن ربنا بيحبك أوي، راحت باستك، من هنا ومن هنا، وضحكت لك أوي.. تلاقيك معيطتش لما اتولدت، صح؟ أكيد ده حصل، شوف، أصل مش ممكن*، مش ممكن شفت الملايكة وتعيط، أصلها طيبة أوي وجميلة برضه، رغم إن ليها جناحات كتيرة أوي..

وهو مش عارف يقول لها ايه، أصل ايه؟ إنتي بتعاكسيني يعني؟ طيب عايزة ايه؟

أنا مش عايزة حاجة! بتفكر جوه نفسها وعلى وشها نظرة تعسة، أنا مش عايزة حاجة خالص، أنا بس شفت إنك أمور جدًا وحزين جدًا، قلت انعنشك! إزاي حد تكون الملايكة باسته، حتى لو من عشرميت سنة، ويزعل؟

طب إنت عارف إن الملايكة بتبوسنا وإحنا نايمين؟ في نفس المكان كل يوم، عشان كده النغز بتفضل، أومال إنت فاكر ايه؟ تعرف كمان إنها بتقف تحرسنا طول ما إحنا نايمين؟ أيوة، بتقف على اليمين والشمال في السرير، وبتصحيّك كمان للفجر، وللا فاكر إنك بتصحى لوحدك شطارة منك؟

الملايكة بتحب اللي يتكلم من القلب دايمًا، ولو ح يلخبط..  عشان كده - قالت له وهي بتبص له من فوق النضارة وبتحاول تبتسم - عشان كده أنا مبتكسفش منك.. إنت كمان يا عيني مبتعرفش تتكلم أوي.. هو إنت ليه مبتتكلمش عن اللي جواك؟ يعني، أنا وإنت مثلاً، مثلاً، نخرج ونتمشى كتير أوي، ونتكلم.. بس بما إني بطني واجعاني جدا ومش ح اقدر اخرج، فأنا اقترح إننا نتمشى في طرقة بيتنا.. للأسف معندناش بلكونة كنا اتمشينا فيها برضه وسقينا الزرع..  

أحكي لك حكاية؟ دي اسمها حكاية الشاي: أنا مكنتش بحبه، وبعدين صحابي بقى بيقولوا: أنا ح اعمل واحد شاي واجي لك، أعمل لك؟ وأنا مكنتش بكسفهم فكنت بقولهم ماشي.. لغاية ما حبيته. تعالى دلوأتي نبص من الشباك ولو إنه صغير ونشرب الشاي، نعناع كتير سكر كتير.. 

أنا معرفش أنا حاسة إيه ناحيتك، بس أنا بستريح لك أوي.. بحب أشوفك، بحب اقعد معاك، بيبقى نفسي جدا إني أركن إيدي على كتفك، أو ألعب في شعرك، أو اطبطب على كتفك.. أنا مش بتحرّش بيك! ولا بقتحم مساحتك الشخصية، لكن بجد نفسي أقرّب منك جدًا..  القرب محبة :)

عندي اعتراف: أنا بحب أحضن الناس كلها.. لما بشوف حد حلو أو حد يتكلم بطريقة كده لطيفة أو تلمس قلبي، بحس إني عايزة احضنه أوي واطبطب على راسه وأبوسها.. أكيد ح يبقى أفضل، صح؟

أنا نفسي حد يحضنّي جامد جدًا، واسمع دقات قلبه، واشم ريحته، ويطبطب على راسي، ويقول لي معلشي، وربنا كبير.. أنا عارفة إنه معلشي وإنه ربنا أكيد كبير، بس أحب حد يقولها لي برضه :)

إحنا غلابة على فكرة، تسعدنا كوباية الشاي لو اتحط فيها نعناع زيادة، نحب الشوكولاتة في آخر اليوم، نفرح لو جالنا لبس ملوّن على غير توقع، ونحب الطبطبة جدًا، ويا سلام بقى لو حد حضنّا.. كأننا ملكنا الدنيا بما فيها..

روح ربنا يحفظ روحك ويكرم قلبك، ويجبر بخاطرك :)

آمين

 

 

_________________________________________

"شوف، أصل مش ممكن".. من اختراع محمود عزت، طيّب الله قلبه*

 

5-4-2013

حبة حاجات تعملهم/متعملهمش مع عيالك، الله لا يسيئك!



الكلام بعضه خارج شوية، اللي بيتكسف يعمل من بنها!

1- أولاً والأكثر أهمية على الإطلاق: إوعى تضربهم، لا ضرب خفيف ولا تقيل، مش بالكيلو هوّ! زنانين مبيسمعوش الكلام بيعملوا دوشة وإنت نايم مطلعين ميتينك فيه طرق تانية يا بابا تقوّم سلوكهم بيها، فيه منع مصروف أو منع اللعبة المفضلة أو الخروج أو إنك تديله وش خشب متكلموش لمدة يومين مثلاً، فيه إنك تقعده على كرسي في الركن وتقول له فكّر في اللي إنت عملته كان صح ولا لأ، طبعًا باتكلم على عيال بتعقل شوية، يعني من 8 وطالع.. الأصغر من كده الوش الخشب نافع معاه، او أي طريقة تانية. تخيّل كده إنك طفل صغير عنده سنتين مثلا، وشقي زي الشياطين المش متسلسلة، بس كل اللي تعرفه في الدنيا هو أبوك وامك، مصدر الأمان والحنان والأكل والشرب والحب والشقاوة والدلع، وفجأة يضربوك جامد ويبرقوا لك ويزعقوا للي خلّفوك! ساعتها إحساسك ح يكون عامل ازاي يا فالح؟ لو معرفتش توصل للإحساس ده يبقى إنت مبتحسش، يفضّل متخلفش أساسا، عشان متطلعش عيال مشوّهين نفسيًا، وتطلع قسمتهم بقا إنهم يحكموا البلد.. كفاية عاهات!!

 

2- آخرك في تقويم السلوك والتنبيه على الصح والغلط والتحكم في التصرفات 21 سنة، بعدها ده راشد كبير عاقل مسؤول عن تصرفاته.. إذا كان ربنا ح يحاسبه لوحده من أول ما يبلغ كمان مش من أول 21، مال أمك إنتا؟ إنت تديله حدود: يخرج وييجي في حدود كذا، ميروحش الحتة الفلانية، يسأل على قرايبه، يجيب الطلبات وهو جاي، يشتغل كويس/يدرس كويس، وبعدها اطلق له الحبل على الغارب.. الأمر ده مهم جدًا لأنك بتعلمه ياخد مسؤولية نفسه، تعلمه إنه هو المرجع مش إنتا، فبالتالي يقدر يعتمد على نفسه وبس. الفعل ده خطأ ليه؟ عشان هو خطأ في ذاته مش عشان بابا/ماما ح يزعقوا لي. فهمت يا حلو؟ 

 

3- الحيوار.. تتكلم معاهم في كل حاجة، تتكلم مش تشخط! مش تدي أوامر، مش تزعق.. إنت مش ربهم الأعلى، يعني الكلام بالهداوة وبالراحة، بقدر الإمكان. متستخدمش كلامهم ضدهم أبدًا، يعني مثلاً هو قال لك بابا أنا فيه بنت يمكن أكون معجب بيها، مش عارف. متجيش بعد كده بسلامة اللي خلفوك تشهّر بيه في خناقة ولا حاجة، وتقول له كلام من نوعية: داير على حلّ شعرك مع البنات وتقول لي معجب بيها ولا معرف ايه! تلاقيك بتخرج معاها يا (****) من ورانا ومش قايل لنا! إلخ إلخ إلخ.. بص ده يا برنس ح ينزلّك من عينيه هوا، في لمح البصر، ومش ح يقول لك على حاجة تاني.. تخيّل بقا مدى ارتفاع وسُمك الحاجز اللي بينكو بالمنظر ده.. الأمر ده ممكن ميكونش مؤلم بالنسبة لك، لكن تخيّل وإنت في أرذل العمر وقاعد معاه مبتعملش حاجة  ومضطر تكلمه، وبينكم حاجز أساسا، يبقى مش ح تتكلموا.. ح تحس بالوحدة قد ايه ساعتها يا حلو؟ ما هو من عمايلك السودا! اعمل لآخرتك بقا وبلاش تتنطط على ميتين الواد.. فهمت؟

 

 

4- ميتين أم السياسة، يا ريت متدخلهاش البيت من أساسه، فهمت؟ السياسة بتفرّق، مش بتجمع. السياسة للصحاب، للفيس بوك - وآه ياريت ملكش دعوة باللي خلفوه على الفيس، وياريت ميضيفكش من أساسه - السياسة للشارع للميدان للبطيخ المحمّر بقشره، إنما مش للبيت.. ياريت تسمع وتعي بدل ما تفرّق ما بينكو وبعد كده تقول يا ريتني..

 

 

5- المصروف: ما تبخلش على أمه، إديله - وإدّي أمه برضه مفيش مشكلة - اللي يكفيه وزيادة سِنّة، وعلمه يحوّش، بحيث إنه يصرف بدون ما يكون خايف إن الفلوس تخلص، يصرف في حدود المعقول، وفي نفس الوقت يكون مسؤول عن قراراته المادية، يطلع يعتمد على نفسه وراجل كده مش خيخة..

 

6- الحب مش عيب ولا حرام.. إيش فهمّك إنتا؟ آه مش عيب.. فيها ايه لما يحب بنت زميلته في المدرسة ولا الجامعة؟ ما دام إنتا مربيه صح ومعرفه حدوده والحدود اللي لازم يحترمها دينيًا وأخلاقيا - مش مجتمعيًا لأن مجتمعنا فاسد نتن عفن - ومعرفه الصح من الغلط، مال أمك يحب ولا لأ؟ ولو عايز يتجوز، إنت مالك؟ بتقفل في وشه السكك ليه؟ عندك واحد شاب مشهور مش ح اقولك اسمه لأنه ميخصكش، وهو عنده 18 سنة قال أنا لازم اتجوز وأنا عندي 20 سنة عشان الفرق بيني وبين ولادي ميبقاش كتير، 20 سنة بس.. قعد يدوّر على عروسة وأهل يقبلوه والناس بتطرده من بيتها بالشلاليت وبتقول له يا عيّل، في الآخر اتجوز واحدة أجنبية مش مصرية ومتحوّلة للإسلام - الولد كان مسلم - حديثًا، وأهلها رضيوا بيه لأنهم معندهمش العقد بتاعتنا، واتجوز فعلاً وهو عنده 20 سنة.. متقفش في وش عيالك، ولو حبّوا وهما في الثانوية وقرروا يتجوزوا جوّزهم بدل ما تعقدهم من الحب وسنينه ويقعدوا في قرابيز اللي خلفوك لحد ما يخللوا..

 

وفي الآخر أولادكم مش مِلك لكم، مش معنى إنك يا حيلتها عملت واجبك البيولوجي وكانت نتيجته عيّل إنه نازل بصك ملكية بإسمك، لازم تطلعه عوده قوي مش بيرجع لك في كل صغيرة وكبيرة لحد ما بقى خيخة.. فهمت؟ إديله مساحته من الحرية، مش تبكّت عليه وعلى اللي خلفوه..

....النوت قابلة للزيادة لو لقيت كلام تاني أكتبه 

 

...............

ملحوظة على الهامش: متتجوزش لأن المجتمع وامك بيزنوا عليك عشان "تتجوز وتستقر"، اتجوز لأنك إنتا عايز كده، ومتخلفش عشان كل الناس أول ما بيتجوزوا بيخلفوا، لأ، خلّف لما تكون مستعد لكده، وأول ما تحملي/مراتك تحمل اشتروا كتب عن تربية الأطفال، عن التعامل مع الأطفال، عن صحة الحوامل، عن صحة الأطفال، عن رعاية الأزواج/الزوجات أثناء فترة الحمل، إلخ.. بلاش أبو الجهل المسيطر على الأدمغة ده!

_________________________
نُشرت على الفيس بوك
18 يوليو 2013

تعريفات: حَـضَـ ن


الحضن إحساس بالدفا، حد بيحتويك ويحاوط عليك يقوم مدفيك، دفا حقيقي، ودفا في القلب.. الحضن إحساس بالسَنَد، بيسند قلبك ويهدي ضرباته اللي عماله تتلاحق ورا بعضها وتجري بسرعة، ملهوفة وخايفة، يسنده إنه يقع، ويهدّيه.. الحضن احتواء، تخبية عن العالم، يحجب عنك أي شيء صعب، أي حاجة مؤلمة أو عسيرة على الحل.. بيدي إحساس بالهدوء، بإن دوشة العالم خلاص بعيدة، وإنك آمن وادع وعزيز جوه المكان ده، على الأقل لدقيقتين تلاتة.. بيشيل التقل اللي في قلبك ويزيحه شوية بشوية.. إحساس إنه "كل حاجة ح تبقى كويسة" وإنه "متقلقيش.. متخافيش، أنا هنا" اللي هو تاني أروع إحساس في الكون.. الحضن ونَس، قلبين بيتكلموا مع بعض ويشكوا لبعض، ويطمنوا بعض.. طبطبة، مع كل حطة إيد ومسحها على ضهرك بتاخد من آلامك وترميها برة، وتهدي قلقك الملتاع جوه.. بيحمي حرفيًا من السكتة القلبية، ويجيب على كل الأسئلة..
_________________________
نُشرت على الفيس بوك
30 April 2013

أدّ الكف



:صغيري
صباح الورد. كيف حالك هذا الصباح؟
آسفة عما بدر مني أمس. كنت أحملك طويلاً جدًا، طوال رحلتك عبر الأيام الأربعة الأولى، والتي حكيت عنها. رأيت كثيرًا جدًا يا صغيري، لا أعرف كيف استطعت تحمّل هذا، لكن كما قال الأصدقاء "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها"، وعلى قد الحِمل تيجي الهمّة..
هناك نسخة مصغّرة منك، صغيرة جدًا بحجم الكف، تجلس طوال الوقت على كتفي وتسند رأسها إلى رقبتي، وتتنفس ببطء، نفَسها على نَفسَي، هواء داخل، زفير خارج.. أمس أقامت رأسها  وجلست مستقيمة، وحكَت عن أشياء بشعة كثيرة جدًا.. لا أعرف كيف تتحمل  كل ذلك يا كريم، لكن ربنا كبير.. ربنا كبير
أكثر ما آلمني يا عزيزي ذكرك للدم. أغمضت عينيّ بشدة محاولة طرد الصور القانية من مخيّلتي، لكن ما حدث أني رأيتها أكثر، ساعتها بدأ الدوار والتنميل في ساقيّ، ولم أعد أسمعك جيدًا..
بوّدي لو احتضنك بين يدي،  اقفلهما عليك جيدًا وتمامًا، احميك عن العالم وامسح على رأسك، أربت على ظهرك وأمسح على رأسك.. أعرف أن يديّ ستخرجان بالدم، لأن ذكرياتك ستنفتح لي كون العلاقة بيننا وطيدة وراسخة.. ستخرجان بالدم فأنثره بعيدًا عنك وامسح عليها ثانية وثالثة وعاشرة، حتى لا يعود هناك مكان لأي حمرة في رأسك، فتشرق بنور ربنا، وتبتسم..
سأملأ رأسك ومدى ناظريك بالخَضار.. اللون الأخضر يمحي الأحمر، لا أدري كيف ولا لماذا، لكنه يفعل.. سأزرع وردًا وصبارًا ونجيلة ونخلاً عاليًا وشجيرات جوافة ومانجا وكرمات ، زهور النرجس ومسك الليل وشجيرة ياسمين متسلقة، كازورينا على الحروف إلى جوار الفكس والتمر حنة، سأجلسك بداخلها وأمسك يديك جيدًا وأدعوك للتطلع إليها جيدًا وطبعها في ذاكرتك.. ستنمو داخل عقلك جنينة صغيرة، مليئة بالشمس تظللها سحابات متفرقة، ويسرح فيها الهواء المحمّل برائحة العشب المقصوص لسّه حالاً.. ستجلس فيها ضامًا ركبتيك إلى صدرك، تبتسم بشدة، وحولك أحباؤك يبتسمون ويغنّون ويأكلون ويركضون وراء أطفالهم، يحتضنونك ويربتون على ظهرك ورأسك، ينظرون إلى عينيك ويقولون ربنا كبير.. ربنا كبير

____________________
نُشرت على الفيس بوك

18 April 2013

رفّة عين


يعني أنا يا حبيبي كان ناقصني رفـّة عين منك. كنت مغمض عينيك جامد أوي بتحاول تكتم الألم، وأنا جنبك مذهولة مش عارفة آخد أي رد فعل، باضحك وبعيط في نفس الوقت، مش قادرة أمسك إيدك ولا دراعك ولا أطبطب على شعرك.. الدخان مغطينا ومغمينا عن بقية الناس، وإحنا تحتيه أوي، مفيش سما فوقينا ده الدخان يا ننّي عيني، وكل شوية رجل حد تقتحم الصورة وتقرّب منك، أقوم أنا نايمة فوقيك محاوطة راسك بدراعاتي، تقوم الرِجل تدوس على صباعي، على كم البلوزة، على إيدي كلها، أسمع “آسف” أو مسمعهاش المهم الرجلين بتبعد عن الصورة. أفضل على الوضع ده شوية باشم نَـفـَسك وأحاول تخزينه في ذاكرتي أطول وقت ممكن، وبعدين أبعد عنك.
لسّاك مغمض عينيك وبتتنفس بالعافية، وأنا معيش حاجة أعملها لك أو أديهالك. حاولت اسلّك إيدك وأحشر صوابعي فيها، نجحت، إيدك لساها دافية، كبيرة ودافية.. عضلاتها مشدودة أوي، مبحاولش أرخيها لأني عارفة إن ده دفاعك ضد الألم، بدونه ح تنهار، ويمكن تصوّت.
سكت صوت الضرب، محدش بييجي ناحيتنا، السما بانت رمادية من بين  سحابات الدخان، يمامة وقفت جنبنا، لقّطت شوية من الأرض وبعدين طارت تاني، فضلت ماسكة إيدك، بابتسم لك وأبص لك بتركيز، يمكن قوة الابتسامة توصّل لك، ضغطت على صوابعك وأنا بنده باسمك بصوت خافت، ضحكت لك أوي وقلت لك ياللا بقا.. فتّحت عينك.
وأنا قلبي مبطّلش يدق يدق..

انغماس

فلنغلق العالم، نطفئه تماما ونخرس صوته. ستدخل إلى غرفتك طاردًا منها كل الغرباء والأصدقاء أيضًا، والإخوة لو لزم الأمر. أنت هنا محاط بموجوداتك الأليفة: هذا المكتب الذي شهد سنوات مذاكرتك عليه، منذ تخليت عن الاستذكار على السفرة مع أحد والديك، وأصبحت تركن عليه الآن أشياءك وملابسك عندما تأتي من الخارج وتلقيها على الكرسي. هذا سريرك، صحيح أنه مرتبط بالكوابيس وله روابط سيئة، إذ قضيت عليه أسوأ أيامك محدقا للسقف أو متقلبا عليه محاولا إيقاف عقلك وإسكات أصواتك الداخلية والنوم، ذلك النوم المريح الهادئ، الذي ربما لم تذقه منذ أيام.. صحيح أنه على صلة بالأحلام المزعجة التي تنهض من عليه وتتركها على الوسادة تمرح لحين عودتك ثم تسكن عقلك ثانية، لكنه أيضا تحمّلك كثيرا ولم يشتكِ، تحمل تقلبك الدائم عليه في محاولات نومك الفاشلة، وتحملت وسادتك رأسك المليء بالأفكار والخيالات المزعجة، المليئة أحيانا بقتلى وجرحى ومحاولات هروب وضرب، ضرب مبرّح.. استوعبك الفراش ضامّا جسدك في حدوده الأليفة.. هذا حائط، حائط صلب أيضًا لكنه حنون، احتمل ارتكانة رأسك عليه في لحظات ضعفك واستكانتك، وتساؤلك الضعيف عن كيف ولماذا وأين، وكان رفيقًا بك أيضًا عندما رطمتها به في تساؤلاتك الغاضبة وتصاعد نبرة احتجاجك الساخط وصراخك، عن لماذا يتركنا الله وحدنا في هذا العالم، ولماذا نعاني وحدنا أيضًا، نزولا لبحيرة اليأس تملأ أكوابك منها وتسكبها، وتتضرع إلى الله..
فلنتخيل معًا، واعذرني يا صديقي لو شطح مني الخيال فأنا لا أريد لك إلا كل خير، واتصور أن محاولاتي هذه ربما تؤتي ثمارها.. بعون الله تؤتي ثمارها.
نتخيل الآن أنك وحدك في غرفتك، ضوؤها غير ساطع، فأعصابك لا تتحمل ضوءًا يشبه النهار في وضوحه وقطعيته، ولا ظلمة ليل داجٍ تذكرك بظلام انغمست فيه وحدك فلم تعد تعرف يدك حين تمدها أمام عينيك، ولا تريد تذكيرك بعتمة سجن رموك فيه مرة وكرهته وكرهتهم وربما كرهت نفسك بعدها. كلا، هو ظلام دافئ يذكرك ربما برحم كنت فيه عزيزًا دافئًا آمنًا وادعًا مستكينًا.. ستحاط بشموع برائحة القرفة، وأخرى بالفراولة العذبة اللاذعة قليلًا، وثالثة ببذور الفانيليا المُرّة طيبة العطر، تذكرك ببسكويت العيد إذ تتفنن نساء الأسرة في إعداده وتسرق منه واحدة خرجت حالا من الفرن وركضت حاملاً غنيمتك فلسعت أصابعك ولسانك لكنك سامحتها لطعمها، مقرمشة من الخارج ما زالت طرية من الداخل.. شمعة رابعة بالرائحة النفاذة لصغار التفاح الأخضر، الصلب شيئًا على أسنانك لكن طعمه السكّري يغفر له خشونته تلك.. ستُحاط بكل تلك الروائح حتى تدوّخك، حتى تدخل في حالة من الرضا، حتى تبتسم رويدًا رويدًا، وتمتنّ للعالم..
الآن، وقد هدأت نفسك قليلاً، وغادرتك خيالاتك المحطِمة، التاركة وراءها نفسًا مشوهة ومليئة بالثقوب، فلنعدّ شيئًا دافئًا لنشربه سويًا. سنحضّر مشروبًا ممتزجًا، ولنطلق عليه بيننا وبين أنفسنا، بعيدًا عن أعين مصححنا اللغوي "الخلطبيطة". سنضع الكنكة / البكرج على النار، مملوءًا حتى ثلاثة أرباعه بالماء، ونمزج فيه اليانسون المهدّئ للأمعاء، والبابونج ذا الرائحة الملطّفة، المطيّبة  للأعصاب، والنعناع الطيب رفيق عصرياتك مع الشاي، والتيليو ذا التأثير المسكّن للجهاز التنفسي، والبردقوش عظيم الفائدة مع ضغط الدم المرتفع. سنمزج كل هذا ونتركه يغلي، ثم نصفيّه ونحلّيه بالعسل. كلا أرجوك، لا تقذفني بما تبقى في الكوب، أعرف أن طعمه سيء، بل شنيع، لكن تأثيره على أعصابك ساحر، يشبه المنوّم الذي يدوّخك بعد فترة من شربه. احمله الآن للغرفة الدافئة عذبة الرائحة واحتسيه رويدًا رويدًا، وعلى مهل..
سيغدو العالم مكانًا أفضل لو استمعت للدخلة الموسيقية لـ"أغدًا ألقاك" للست أم كلثوم. ثق في كلامي.
والآن يا صديقي ستترك تساؤلاتك عن لماذا عشت أنت وحدك دونًا عن الباقين، الذين تؤمن أنهم سبقوك لمكان أفضل حتمًا، وأن ما عند الله باقٍ، ستطرح جانبًا تساؤلك عن صديقين لك لم تعرف أخبارهم منذ نزلوا ولم يعودوا حتى الآن، رغم مرور سنين على تلك الواقعة، ومع ذلك فالتساؤل يرهقك في كل مرة كأنها المرة الأولى التي تعرف فيها بالخبر. ستضع كل هذا جانبًا، وترتدي شيئًا مريحًا، وتتبع خطوات رحاب بسام في صنع أرز باللبن لشخصين: بيت خالٍ إلا منك، بخور برائحة القرفة، فيروز تغني، وأنت تقلّب الأرز باللبن ببطء واثق حنون، ثم ترش عليه رشة قرفة. يمكنك بنفس الخطوات صنع كيكة بالشيكولاتة، أو بالتفاح والقرفة، وتأكلها ساخنة بأصابعك. صدقني، ستشعر ولو لجزء من الثانية، بالرضا..
____________________________
نُشرت على الفيس بوك
13 January 2013

يا جورج


الإيمان بك صعب يا جورج. الإيمان، مثلاً، بالعدالة، بقضاء عادل، بأن أي شيء مبهج سيحدث في هذه الدنيا، بأن الدنيا ليست قذرة كما نظنها حتى الآن، وأننا غارقون في الوحل حتى أحشاء أعناقنا.. الإيمان بأنك ستخرج، سترى النور ثانية، أن ترفع عن كواهلنا ذلك العبء، ذلك الذنب، ذلك الإثم، أننا نعيش خارج أسوار: نعبر الشارع، نشعر بالهواء يتخلل ظهورنا في يوم شتوي طلعت شمسه، نضحك مع زملائنا، نبتسم للطفلات في السوبر ماركت، الذهاب للسوبر ماركت أساسًا، نكشّر في وجوه عساكر المرور، أن نرى الشمس، نختبئ في الظل، نضحك ثانية، ثم نهتم بأمورنا.. كل هذا ننعم به بينما أنت محبوس، في العتمة..
***
اليوم، كان لا بد أن أقاوم يأسي، وكآبتي.. أحارب نفسي واهتف. الإيمان بالهتافات صعب يا جورج. لا تستطيع الهتاف من وراء قلبك  مثلاً، أو بلسانك فقط. لا بد أن تلوّح بيدك. كيف تلوّح وأنت لا تؤمن بما تقول؟ كيف ترفع اصبعي "في" أو علامة النصر، ويقينك الداخلي لم يصله الإيمان بالنصر، بعد؟ كيف تحارب انكسارك وترفع صوتك لتزعق بأن الحرية لا بد قادمة، ودولة العدل، لا بد، متحققة؟
***
حكيت حكايتك ثلاث مرات حتى حفظتها، ثم لخصتها في سطر واحد لأي من العابرين. نرفع اللوحة العملاقة، بيضاء الخلفية، صورتك مبتسمة فيها، وبيتا شعر مسطوران، محاولةً منا، من صانع اللوحة، من قائل الأبيات، من مغنّيها، أن نؤمن بأن هناك أشياء أخرى في الحياة غير السجن والحبس والصراخ واليأس. هل حقًا؟
أحد التعليقات جاء من الصغري. لا بد أني نسيت اسمه، كان شيئًا غريبًا مثل الصغري. نسيان الاسم خطيئة، كما تعلم يا جورج. يعني مثلاً  لا استطيع الهتاف لك وأنا  اسمّيك إحسان، أو النبوي. لم يفهم  ما قلته، لم اتصوّر أنه بالفعل لم يفهم ما قلته، كررّت بعبارات أبسط: كانت الحكومة - وأي زي رسمي عنده وكثيرين مثله، حكومة - تضرب في الناس، عوّرتهم جامد، كان لازم يروحوا يتعالجوا، جورج شالهم، ودّاهم المستشفى، الحكومة مسكته.
يعني هو فين دلوأتي؟-
في السجن-
سجن ايه؟-
أميل على من يساندني في حمل البانر: أنهي سجن؟
طرة-
.طرة يا صغري-
آه.. يعني مش ح يطلع؟-
لأ ما إحنا عاملين الهوليلة دي كلها عشان يطلع-
طيب هو محبوس ليه؟-
:فاضطر للشرح للمرة الثالثة. هذه المرة يفهم ويقتنع. يعلّق
حكومة بنت وسخة-
:اؤمن على كلامه
حكومة بنت وسخة فعلاً-

الصغري لم يذهب لـ"المدلسة"، يبيع "أزكار" في الشارع، حلق شعره على الزيرو فجاء يباهي اصدقاءه، الذين وقفوا يتطلعون إلينا في دهشة ونحن نغني "شيد قصورك"  أو "اتجمعوا العشاق".. يقفز فوق سور دار القضاء العالي - لماذا لم يكتب أحد من قبل عما في هذا الاسم من مفارقة؟ - يتقافز حولنا، يبتسم في وجوهنا جميعًا، ويدعو لجورج.
***
ألم أقل لك بعد؟ لم أرك، نعم، لم أرك من قبل.. لماذا أومن بك إلى هذا الحد، إذن؟
لم أقل لك أني، وأنا اطبخ، افكّر بك. لا، ليس للكليشيه الذي مات ابتذالاً "فكّر بغيرك" لمحمود درويش، بل أجسّدك أمامي. منى سيف قالت أن نحوّل "السجناء" لأشخاص حقيقيين. شخصنوا المسألة، هكذا صاحت. شخصنتك - بهذه الكلمة مفارقة مؤلمة أخرى - وأحضرتك أمامي، كنت اطبخ لك. في حقيقة الأمر أكره الطبخ يوميًا. ماما جعلتني اطبخ بشكل شبه يومي، لأنها تعبت. أجعل لما افعله هدفًا، فأقول عند خروجك بإذن الله لا بد وحتمًا أن نقيم لك حفلاً، وأنا سأطبخ فيه. اتخيل الحضور. اتخيل أهلك. اتخيل فرحتك وارتباكك لأن غريبة عنك مبتهجة جدًا بك، لدرجة أن تطبخ خصيصًا من أجلك. صنعت لك كفتة، ومسقّعة، ومكرونة.. هذه المكرونة تحديدًا كانت جميلة جدًا، لو أخذنا في اعتبارنا أني أحب المكرونة ولم اتقن يومًا صنعها.. صنعت لك كيك وفطائر، عصير، أكوابًا لا نهائية من القهوة، وابتسامات مضيئة وتربيتات على الكتف. أحتاج خروجك يا جورج كي استعيد تواؤمي مع نفسي، استعيد إيماني بالأشياء، يصبح للقهوة طعم، لقصائد درويش سحر،  للوطن معنى، للصحاب ابتسامة أكثر اتزانًا، وأكثر قدرة على حمل ذواتهم دون التعكّز على آخرين..
_____________________________________
نُشر على الفيس بوك
8 March 2012

البستان*



بعد ما خرجنا من المعسكر، ونزلنا من عربية الترحيلات، حسيت إني مش قادرة امشي كويس. علّقت دراعي في دراع صاحبنا محمد، والدراع التاني في إيد ضحى، ومشينا. الهوا جاي في وشنا. مكنتش بردانة مع إني لابسة خفيف. كنت بافكّر إن إزاي ربنا خلقنا بنمشي لوحدنا، ليه منتسندش؟ كنت محتاجة السَنَد أوي. في الآخر سبت دراعاتهم، وحاولت أمشي لوحدي..
.
سمعت منير وعمرو دياب طول سكة المرواح. إديت الجاكيت بتاعي لضحى، اللي كانت لابسة خفيف، بس سقعت. يمكن عشان عيطت؟ أنا مقدرتش أعيط. بس قلبي بطّل يوجعني لما سلّمت على كريم جامد. روّحت مبتسمة. واحشني جدًا، وح يفضل واحشني.. هرّبت له إزازة فلّ صغيرة جبتها من مكة. فضل ماسكها في إيده ويفتحها ويشمها ويقفلها تاني ويطبطب عليها، كل ده وهو بيتكلم مع صحابنا التانيين. أنا ساكتة جدًا ومتابعة كل حركاته، وكل ما يبص لي ابتسم واتكسف. كان مش لابس النضارة، لأنهم مسكوها كسّروهاله بالعافية، وعشان كده كان لازم يقرّب مننا عشان يشوفنا. عينيه خضرا، تقريبًا، الإضاءة كانت ضعيفة. بس عينيه جميلة. يمكن النظرة اللي فيهم جميلة؟ كان بيؤكد لي إنه بخير وكل شوية يضحك. شعره طويل، وناعم. كان نفسي اقعد أمسّد عليه، يمكن أهدى. الحمد لله، مش بيضربوهم كتير، وإن كان كريم محبش يتكلم في النقطة دي، وقلب على موضوع تاني. جبت له كتب. قال لي إنه نفسه في "مُحال" جدًا، بتاعت يوسف زيدان، ووعدته أجيبهاله. رحت الشروق النهاردة وملقيتهاش، ولا كان معايا فلوس. ربنا يسهل وأروح تاني وألاقيها . إن شاء الله :)
.
أنا غاية أمانيّ دلوأتي إني أشرب معاه الشاي، في جنينة لطيفة :)
.
بتيجي في بالي كتير صورتنا، وهو برة الحبس، والجو لطيف، والشمس حنونة، وأنا وهوّ ساندين ضهرنا على شجرة، قول ضهر كرسي، قول حيطة، وفاردين رجلينا، وباحكي له عن مدونتي لأني بحبها أوي، وهو مركّز مع عينيا جدًا، وبعدين آخد بالي إنه مش سامعني، ونضحك سوا.
 ___________________________
*العنوان تنويع على قصة المخزنجي "البستان" 

 نُشرت على الفيس بوك

المرايا: ماري الدموية وأساطير أخرى



بمجرد أن طُلب منا الكتابة عن المرايا، دقّت ذاكرتي الباب ففتحت لها لتريني تراثًا محفوظًا داخلها عن ماري الدموية ورجل الحلوى ورؤية وجه العريس في المرآة. تصورت أن يكتب الجميع مثلي، إذ إننا جيل تربى على الأساطير التي يفنّدها العم رفعت إسماعيل، لكن بسؤال سريع للمحررة أجابت باسمة بأنهم لم يفعلوا. في المقالة التقريرية – التي أرجو ألا تكون مملة! – التالية أكتب نبذة مختصرة عن المرآة في الأساطير الغربية.
بداية، ورد في كتاب "التكوين" من الإنجيل أن الربّ حينما خلق الإنسان جعله على شاكلته، الأمر الذي يفترض أن المرء عندما ينظر في المرآة فإنه سيرى وجه الله. ولمّا كان هذا غير ممكن، لأنك تُجازى على الإيمان بالغيبيات، فالأوفق في هذه الحالة أن المرء عندما يطالع المرآة فإنها تعكس روحه، ومن هنا جاء الإيمان بأن المرايا تحجز روح الإنسان.
والتنويعات على هذا الإيمان كثيرة، منها مثلاً تغطية المرايا في البيت الذي يموت فيه شخص، لكيلا تحجز روحه وتمنعها من الذهاب للسماء، فتظل تهيم في الزجاج المطلي للأبد. ومنها أيضًا عدم وجود انعكاس للإخوة مصاصي الدماء الأفاضل، حيث إنهم "غير موتى" ولا روح لهم. هذا المعتقد الخاص بأبناء دراكيولا مستمر حتى الآن، وينعكس في الأفلام الغربية المنتجة عنهم.
في أوائل القرن السابع عشر، عندما انتشرت صناعة المرايا من الزجاج المفضض، ذاعت شائعة تقول بأن كسر المرآة يجلب سبع سنين من النحس. يمكن ردّ هذه الأسطورة ببساطة لسعر المرايا الباهظ آنئذ، حيث ربما يستغرق الأمر سبع سنين للادّخار وشراء واحدة جديدة. وتعود جذور الأسطورة أيضًا لمقولة إن المرآة تحبس روح الرائي، وبهذا فعندما تنكسر تأخذ جزءًا من روحه معها. لكن يوجد لذلك المعتقد آخر يردّ عليه، حيث إنهم كانوا يحيلون المرآة المكسورة لتراب كيلا تستطيع حمل أي جزء معها، كما أنهم آمنوا أن الروح البشرية تجدد نفسها كل سبع سنوات، وبذلك يعود لمن كسر المرآة جزيء روحه المحبوس.
قليلاً للخلف:
يعود تاريخ "فكرة" المرآة للعام ستة آلاف قبل الميلاد، في أناضوليا بتركيا الحالية، حيث كانوا يستخدمون "السَبَج" أو الزجاج البركاني الأسود، شديد اللمعان والمصقول جيدًا، فكان يعكس الصورة الموضوعة أمامه. بعدها جاء النحاس المرقق بعناية، في مصر القديمة بالعام ثلاثة آلاف قبل الميلاد. وفي الصين، كانت المرايا تُصنع من البرونز بداية من العام 2000 قبل الميلاد. أما المرآة المصنوعة من أي معادن ثمينة أخرى فاحتكر الأغنياء صناعتها خصيصًا لهم.
وبالنسبة للزجاج المغطى بالمعادن، فيعود تاريخ صناعته للقرن الأول الميلادي، في سيدون أو لبنان الحالية. وقد ابتكر الرومان أيضًا طريقة لصناعة المرايا الخام عن طريق صبّ طبقة رقيقة من الرصاص السائل على الزجاج أثناء نفخه. وكانت فينيسيا في بداية عصر النهضة الأوروبي مركزًا لصناعة المرايا عن طريق تغطية الزجاج بتوليفة من الزئبق والصفيح. أما المرايا المفضضة المنتشرة في عصرنا الحالي، فقد اخترعها العالِم الألماني خوستوس فون ليبيج في العام 1835.
ماري الدموية:
تنتشر في الوعي الجمعي الغربي أسطورة ماري الدموية، بتنويعات مختلفة، فتارة هي امرأة خُطف أطفالها فانطلقت تخطف وتقتل أطفال الآخرين، خاصة البنات الصغيرات، وأن أهل القرية عاقبوها كما يعاقبون الساحرات ساعتئذ؛ بالحرق، وأخرى أنها أصيبت في حادث سيارة وشوّه وجهها وماتت دون أن تصعد روحها للسماء، فظلّت على الأرض تهيم من خلال المرايا. لكنهم أيًا كان عمل ووضع ماري أثناء حياتها، فإن من تتملك منه الجرأة التي تبلغ حد الحماقة لنطق اسمها "أوه يا ماري الدموية، إني أناديك، يا ماري الدموية، يا ماري الدموية" ثلاث مرات أمام المرآة في الليل، فإنها تحضر عاصفة غاضبة من قتلها أو إحراقها أثناء حياتها، وتنهي حياة من ناداها، غالبًا نهاية مؤلمة مثل الحرق أو التعذيب حتى الموت أو تشويه الوجه، انتقامًا من أحفاد من قتلوها.
عريس يا أماي:
انتشرت في انجلترا وأوروبا الغربية عامة خرافة أن الآنسات الصغيرات يمكنهن رؤية عرسان المستقبل، وذلك إذا تطلعن للمرآة في منتصف ليلة مقمرة، على ضوء شمعة وهنّ يمشطن شعورهن. وتنويعات على هذه الأسطورة بأن بعضًا منهنّ يرين أوجهًا متعفنة، دلالة على الموت، فإما ستموت هي قبل أن تتزوج أو سيموت عريسها مباشرة بعد الزواج. طريقة أخرى وهي صعود السلم إلى الخلف، ممسكات بالمرآة في يد والشمعة في أخرى، منتظرات رؤية أي وجه. غالبًا ما تنتهي هذه المحاولات نهاية مأسوية، إذ إن بعضًا منهن يرين الروح الشريرة الساكنة في المرآة، غالبًا ماري الدموية، أو سترى أول من سيموت من العائلة، أو ببساطة ستسقط من على السلم لتدق عنقها!
هانز كريستيان أندرسن:
كتب أندرسن الذي استمد جذور بعض حكاياته الخرافية من الأساطير الشعبية التي سمعها عندما كان صغيرًا عن ملكة الثلج. يُقال أن الشيطان صنع مرآة كبيرة لا تعكس الصورة الحقيقية، بل تُظهر الرائي بكل قبيح ونقيصة، وبذلك تعكس العالم كله بصورة مليئة بالقبح والعذاب البشري. وعندما حاول إدخالها الجنة ليرى تأثيرها على الملائكة، سقطت من يده إلى الأرض وتحطمت آلاف القطع الصغيرة جدًا، مثل حبات الرمال، وتناثرت في أعين وقلوب المزارعين بالدانمارك، لتجعلهم ممرورين لا يروا سوى القبح. وهناك فتاة صغيرة اسمها جيردا، وُضع على عاتقها إزالة أثر هذه المرآة ومحاربة ملكة الثلج، لاستعادة رفيقها في اللعب، كاي، المصاب بلوثة مرآة الشيطان.

وأخيرًا، اتساءل: لمَ كانوا يرون كل هذا الكم من الخرافات محاطًا بأداة بسيطة مثل المرآة؟ هل هي الظلال المنتشرة بكثرة في عالم ما قبل اختراع الكهرباء؟ هل هي مفردات الظلام وأساطير المرأة المنتقمة، وخطف الأطفال وأكلهم، والتي كان الأهالي يخوفون بها الصغار كيلا يلعبوا بالخارج بعد غروب الشمس؟ ولماذا لم نعد نرى غير وجوهنا في مرايا الحمّام أو المرآة الشخصية؟ أين ذهب السِحر من العالم؟؟
___________________
نُشر في موقع "نون":
http://nooun.net/article/971/

أنا في أعين الآخرين

تقول لي الطبيبة التي تعمل فترتين في اليوم لتعيل أطفالها، معلّقة على كلام إحدى الممرضات لها: شفتي السيستر قالت ايه على لبسي؟ أنا قلت لك الجيبة دي مش بتاعت شغل. أحاول إفهامها أن التنورة جميلة فعلاً، وأنها محترمة وملائمة لارتدائها في مستشفى دولي مرموق. لم تكترث لكلامي وواصلت الحنق ولوي شفتيها تعبيرًا عن الامتعاض المتجذّر.
تمشي ذات الطبيبة في المركز التجاري، وتسارع خطوتها: اتأخرنا جدًا! خمس دقايق بحالها؟ وأحاول إفهامها أن خمس دقائق في مواعيد المصريين لا شيء، وهي لا تستمع إليّ. تتوتر ويرتفع ضغطها ويصيبها صداع مفاجئ جرّاء محاولتها مدّ خطاويها للحاق بالباص، فقط لنجد ألا أحد هناك، وأننا أول الواصلين. يستمر الصداع في الدّق حتى بعد أن تجولنا قليلاً. تؤمن هي أنها غير جديرة بالانتظار لأجلها، ولو لخمس دقائق.
طبيبة من النوع المجدّ في دراسته وعمله. أيام الكلية انضمت للجماعة الإسلامية قبل أن يتحوّل نشاط تلك الأخيرة إلى تفجير الناس. صارت مترو أنفاق لا يذهب يمنة أو يسرة، ولا يتعطل بانقطاع الكهرباء لوجود موّلدات احتياطية تعمل دائمًا. لا رحلات، لا مجموعات دراسة، لا سينما، لا تسكّع في روكسي بعد العصر أو الكوربة ليلاً أو كوبري قصر النيل عند انتصاف الليل. لا معارض ورود في الربيع أو مشاهدة زينة شوارع الزمالك قرب الكريسماس أو معرض الكتاب في أواخر يناير. عَملت مباشرة بعد التخرّج، أيام التعيين المجيدة، ولم تنل راحة لسنة واحدة حتى شارفت على الستين.
بَنَت لنفسها مجدًا وسُمعة طيّبة، يأتي إليها المرضى من المحافظات القريبة، ولا يمانعون من السفر. لم تحقق إمبراطورية مادية لأن الحياة في مصر بلاعة نقود مفتوحة دومًا، والتضخم يلتهم أي زيادة في المرّتب. رغم ذلك كله، ما زالت تستمع لرأي الآخرين، وتأخذ بكلامهم مقدّما على كلامها وما تريده هي. عند أول عريس طرق بابهم ولم تبلغ بناتها العشرين من العمر بعد، استشارت كل أقاربها، فحضروا عند الزيارة الأولى. غار زوجها من سلوكها فدعا كل أقاربه ليحضروا الزيارة الثانية. فكانت النتيجة أن "انجعص" الجميع على الولد المسكين وأبيه، وأثقلوا كاهله بمطالب مادية غير محتملة، فذهب بلا رجعة. خرج الكل منتصرين من الجلستين، عدا الولد الذي لام أهله لأنهم ليسوا أكثر غِنى، والبنت التي أرادته حقًا، لكنها غير مسموح لها بالكلام وإبداء الرأي. كل هذا والأم تهزّ رأسها في موافقة تامة على ما يُقال.
أظن أن الأصل يعود للتربية. جملة مثل "اللي يمشي على الأصول ميتعبش" التي تتردد في كل الأفلام، والتي شكّلت وعي جيل الستينات على الأخص، جيل الرئيس القائد الأعظم ثم جيل السبعينات، حيث الرئيس الأب الذي لا يخطئ، حتى لو صافح مغتصبي أرضه وابتسم في وجوههم وعاهدهم على عدم المساس بهم وهم ما زالوا على أرضه. جيل تقديس الأبوين وجعل كلامهم وآرائهم تمشي على رقبة الأبناء، ماحيًا أي شخصية لهم، مزيلاً أي نبتة أو بادرة استقلال. التربية التي جعلت جملاً مثل "أنا أكبر منك وأعرف مصلحتك أكتر منك" أو "يا بني خد من خبرتي، إنت لسه صغير" أو "أنا أمك، أنا افهم عنك، إنتي تسكتي خالص" مقدسّة، ومحفوظة عند كل الآباء والأمهات. التربية التي جعلت "يا خبر! الناس تقول عليا ايه؟" بدلاً من "*** الناس على اللي يتشدد لهم، أنا اعمل اللي شايفه صح".
ثقافة مثل هذه تجعل من الصعب جدًا الإبداع، تجعل من المستحيل الخروج عن القالب، تجعل كل همّ الشباب إرضاء الكبار، الذين أخذوا حظهم وزيادة في هذه الدنيا، ولم يغيّروا شيئًا، بل زادوا الأمر وحلاً حتى وصل الأذنين.
حسنًا، هاك معلومة تصدمك أيها المجتمع العفن: لقد قمنا بثورة، عليكم أولاً، جيل سرقة كل شيء، جيل ابتلعنا في دوّامة حياة لا نريدها، بإنحناءة ظهر دائمة، وخشية من تعليقاتكم. اذهبوا للجحيم بتعليقاتكم وترصدّكم لكل صغيرة وكبيرة نقوم بها، وكل تفصيلة تتعلق بحياتنا. لا أريد ارتداء ملابس كالتي يتزيّا بها الجميع، تبًا لشموليتكم الدينية. لا أريد الإنجاب فور الزواج، تبًا لتبريركم مشاركة حياة شخص آخر في الرباط المقدّس بوهم إنتاج آخرين وتقديمهم لهذا العالم المختلّ. لا أريد وضع نقود في يد أمين الشرطة ليمزّق المخالفة التي استحققتها، أو لم أفعل، فقط لن انضم للمنظومة.

لن تدرك الطبيبة ما تفعله بنفسها وبالآخرين، ستظلّ تعليقات الممرضات والأطباء المحيطين بها في العمل هي المحددة لما ترتديه ولما تأكله ولمن تحادثه. ستظل تمشي بجوار الحائط آملة في اختراقه ليبتلعها ويخفيها عن أعين الناس، غير قادرة على الهرب منهم. ستظل تحتمي بالسقف المتهالك للأصول ومعايير الصح والخطأ التي اعتادت عليها، ولا ترى الثقوب العملاقة التي ينفذ منها المطر كلما اكفهّرت السماء. فقط آمل أن يكبر الأبناء عالمين بفساد المنظومة كلها، وراغبين في تغيير للأفضل، وعالم أقل وحلاً يورثونه الجيل الآتي بعدهم.
_________________
نُشر في موقع "نون":
http://nooun.net/article/968/