Monday, August 17, 2015

ريتا والكيك بالشوكولاتة







الصورة دي بتحكي كتير، رغم بساطتها وقلة تفاصيلها.
قطعة التورتة دي عملتها له ريتا. الحقيقة، ريتا مش شاطرة أوي في الطبخ، لكن خبيزها عملاق ويقف قدامه مبتهلاً متبتلاً مقدسًا اللحظة السحرية اللي خطرت على بالها فقررت إنها تعمل التورتة. الحقيقة برضه إن ريتا مؤخرًا كانت بتتجنب الحديث معه أو القعدة معاه من أساسه، عشان ميسألهاش هي عاملة ايه، فتضطر تقول له على كل حاجة.
ريتا طلعت من الحمام بعد ما رميت قلم اختبار الحمل في الباسكت وخبيته كويس. القلم بيقول لها النتيجة "سلبي"، وهي كان نفسها فعلاً في طفل ودلوأتي حالاً. فكرت في التبني، ليه ما يتبنوش؟ بس جوزها المحلّقة دماغه في السموات وأحيانًا بتتخفس سابع أرض، ملوش مزاج محدد في أي وقت من اليوم، والدنيا عنده مكركبة. كان بيبتسم دايمًا ويقول لها "بكرة نخلّف، أنا مش مصدق إن ربنا ح يحرمنا من الخلفة، أنا واثق إنه بيحضّر لنا بيبي لطيف جدًا كده، مفاجأة صغنونة، يمكن على راس السنة". وتتسع ابتسامته خالص، ويقول لها متخافيش، ويطبطب على كتفها ويروح يلزق في شاشة اللاب توب ويحاول يكتب حاجات مبتعجبش حد، بس لسه ابتسامته مراحتش من وشه.
...
ريتا عملت زي الست في فيلم "جولي وجوليا" واللي ناسية أنهي فيهم يبقى اسمها، كانت بتقول إن مفيش حاجة أحلى من إنك تروّح البيت من يوم عمل طويل ومرهق ومؤلم ومفيش حاجة اتحققت فيه زي ما إنت عايز، تروّح عشان تقف في المطبخ سلطان زمانك وتقعد تقشر وتحمّر وتخلي الفراخ وتعمل كيكات حلوة وتخلل الخيار. الأمور دي كلها فشلت فيها ريتا ما عدا الكيك والجاتوه والبان كيك - بتطّور فيها دلوأتي عشان تجرب وصفات جديدة، وأضافت لها الشوفان والقرفة والسكر البني، ومبقيتش محتاجة أي شراب عسلي عشان يحلّي طعمها.
...
ريتا مش مبسوطة في جوازها. ريتا بتعتبر نفسها سليلة العائلة الحسنة الصيت والتقبّل عند الناس، ريتا في تفكيرها لازم تجيب بيبي قبل ما توصل التلاتين - قدامها كمان أسبوعين، يعني استحالة خلاص - عشان تلحق تقعد معاه وتوصّل له تراث عيلتها الاسكتلندية. كل ما تفتكر مشوارها وتقول إنها سابت اسكتلندا وهاجرت على أمريكا، تمام زي ما عم دهب - بابا سكروج- عمل وساب الأسرة كلها، ده حتى مقدرش يسافر لهم لما مامته اتوفيت. ريتا بتقارن نفسها بعم دهب كتير أوي، خصوصًا في الكادر الأخير من الحلقة الأخيرة من سلسلة "شباب دهب" اللي طلعتها مجلة ميكي الأمريكية، الكادر كان بيقول قبليه: "أنا أسيب كل المجوهرات والدهب والأموال دي، عشان أروح اسكتلندا وأقعد جنب إخواتي البنات؟ لما أكون غني كده، مش ح يبقى عندي بيت ولا أولاد ولا ح اتجوز، وح اعيش للفلوس وبس." وفي الكادر الأخير خالص، عينيه بتلمع بجشع، وبيقول لنفسه "أنا اخترت أعيش للفلوس وبس." وده كان قاتل بالنسبة لريتا.
...
جيري بقا، اللي لاقيته ريتا أثناء بحثها الدائم عن السعادة، انبهرت بيه وبابتسامته اللي على طول دي. ولما كانت وصلت 25 سنة ولسه ما اتجوزتش، اقتنعت بيه على طول. زي ما قلنا هي كان نفسها في طفل، ومش مؤمنة بالطرق اللي مش بتنتمي للإيمان، بإنها تجيب الطفل خارج نطاق مؤسسة الزواج. اتجوزت على طول ولبست فستان طويل بحمّالات واسعة شوية، وهو كان واسع شوية فواجهت بعض المشاكل المتعلقة بإن حمّالة الصدر تبان - رغم إن لونها كان أبيض برضه بس ما يصحش، دي حمّالة!! - بس الفستان كان حلو عليها، زي ما أمها اللي جات لها من اسكتلندا مخصوص قالت لها، بس الحقيقة إن لونه مبيّن أكتر بهتان لون وشها وزرقة عينيها الفاتحة، وشعرها اللي بيتراوح ما بين البيج الأوف وايت والأصفر الفاتح. واضح إن أمها مكانتش صريحة معاها بخصوص اختيارات الألوان، كان لازم تلبس حاجة غامقة أكتر شوية.
نرجع ونقول جيري. ماله؟
جيري قارئ نهم جدًا، وعنده مكتبة في كل حتة من بيته حتى فوق سريره. لما شافها في المقهى قاعدة بتقرا الجرنان وهي قلوقة وبتهز رجلها جامد، وبعدين سابت الصحيفة وعلى وشها خيبة أمل عملاقة، ساعتها دخلت قلبه. قال بنبرة تساؤل عادية مش مدركة لمدى فداحة السؤال: "يا ترى في إيدي ايه أعمله عشان أسعدها؟" وكلمة "فداحة" مهمة جدًا لأنه اتجوزها في الآخر!! صحيح جوازهم مش تعيس، لكن جيري بحساسيته المفرطة كان بيساعد كل حد كإن ده هدفه على الأرض، والسفينة الأم باعتاه عشان يصلح من الأوضاع. هو مصدقش أبدًا الكلمة اللي بيقولها له صديقه "ريك" دايمًا: "ما انتاش المسيح المخلّص. ده حتى شعرك مش سايب على كتافك!!"ة
....
النهاردة بقا، في الخامس من أغسطس للعام التسعة وعشرين بالنسبة لريتا، طلعت من الحمّام بعد نوبة عياط وقهرة نِفس كبيرة، وابتديت تشكّ إن يمكن ربنا سامعها فعلاً، ولا ايه اللي أخّر وصول البيبي كل ده؟ راحت المطبخ مباشرة بدل ما تقعد في السرير تعيط على كل حاجة في عيشتها وجيري يقفشها، فتحت الدرج الفوقاني وقررت تجيب كل أكياس الدقيق اللي عندها، واللي طلعوا اتنين بس في الآخر. كسرت البيض وجابت المضرب اليدوي عشان تهلك دماغها وإيدها شغل، وما تسرحش مع المضرب الكهربا. قعدت تضرب تضرب كتير كده، وهي بتحط بإيدها التانية الفانيليا والسكر والزبدة، وتضرب تاني وتالت، وتمسح العرق في الزاوية اللي بيعملها دراعها لما تتنيه، ومفيش مانع برضه إنها تمسح إيدها اللي مليانة دقيق في ضهر البنطلون. دايمًا كان جيري بيضحك من التلات صوابع اللي في ضهر البنطلون دولت، ويقعد يتساءل زي العيال:" هما جُم منين؟ يا ترى منشأهم ايه؟ وهما التلاتة إخوات ولا ايه؟" زمان كانت بتنبسط من الأسئلة اللي مدية على هبل طفولي محبب، بس النهاردة، وحلفت بقبر أبوها الواعظ، لو عملها تاني مش ح تسكت له أبدًا، وممكن تغرق وشه في صينية الدقيق يمكن يبطل خالص اللي بيعمله ده.
عند النقطة دي تحديدًا ابتديت تعيّط.
ركنت على الحيطة وراها، وبعدين شدّت كرسي وقعدت عليه نص قعدة، عشان سمعت خطوات جيري وهو بيلّف في أوضة المكتب مستني الإلهام يجي له ويكتب بقا ويخلص روحه من حبسة الكاتب اللي اتحبسها دي بقاله أيام. قامت على طول، ومسحت دموعها في منديل مطبخ عملاق، ونضفت أنفها بعناية، وغسلت إيديها ونشفتهم عشان ولا نقطة مية تنزل على البيض لحسن تزفّره، ورجعت لشغلها.
استغرق الموضوع منها كيكتين، عشان توصل لقوام مناسب للتورتة. عندها طبعًا كريم شانتيه، علب على علب في التلاجة، وطبق فراولة فاضل لها تِكّة وتبقى مش صابحة، وتزعل هي منها. أصلها كانت على علاقة قوية بالفراولة ومؤمنة إنها ممكن تصلح كل أوجاعها واضطراباتها، خصوصًا لو قامت بالليل مثلاً وضربت شوية كريمة في المضرب اليدوي وقطعت عليها فراولة ساقعة.. يا سلااام! كانت تتمزّج أوي وتقول الله، هي دي النعمة المذهلة بجد.
طلعت الكيكتين من الفرن، سابتهم يبردوا شوية عشان الكريمة ما تسيحش، في الوقت ده قررت تتفرج على وثائقي من قناة ناشونال جيوجرافيك، أو تطلع وصفات جديدة تتضمن الفراولة من على موقعها المفضّل "الكونتيسة حافية القدمين"، أو إنها تشغّل الفواحة المليانة لافندر، وتقعد تتأمل شوية. طبعًا هي لو تأملت ح تنفتح في عياط تاني، والناشونال جيوجرافيك عليها وثائقي للحرب العالمية التانية وهي مش ناقصة وفيات وخيبة أمل ودم، فقررت تسرح شوية على الإنترنت. حوالي ربع ساعة في انبهار بالوصفات الجديدة واللي مش كلها تتضمن الفراولة، جاعت ريتا. قامت على طول، حطيت الكيكتين في الفريزر، طلعت علبة كريم شانتيه وقعدت تضرب فيها مع اللبن بالمضرب اليدوي، وتلّف مع اتجاه عقارب الساعة وتدندن شوية وتمسح عرقها شويتين، لحد ما اقتنعت بكثافة الكريمة، وقررت تطلع الكيكتين، تشيل وشهم اللي قابب على فوق، تقطعهم بالعرض وتحط الكريمة في النص، تزين الوش بالفراولة اللي صالحتها شوية، وتقطع حتة ليها وواحدة لجيري. تغسل وشها،  وتقدم قطعة جيري ليه. يسيب النضارة على الكتاب اللي كان فاتحه بعد ما قعد تعبان من اللف في الأوضة، يبتسم في وشها جدًا، ما يتكلموش، يقعدوا ياكلوا وبس.
شكرًا للفراولة والكريمة وكيكة الشوكولاتة على إنقاذها الموقف، مرة بعد التانية :)