عزيزي الذي لا ينبغي ذِكر اسمه:
الأمر معقّد جدًا. ما المعقد في الحب؟ يسألني صوت في مؤخرة عقلي. ما أبسط أن يتحابّ اثنان ويتقابلا على سطح بناية بعيدًا عن المدينة المشبعة بالموت والتي تكره الحب، وأن يشاهدا السحاب والحمَام الأبيض عائدًا إلى غيّته قرب المساء! ما أبسط أن يحتاج أحدنا للسَنَد فيجد الآخر حاضرًا لأجله، ولو بالتليفون، أو على رسالة نصية تقول "أنا لأجلك"! لكن الأمر ليس سهلاً هكذا.
عندك أولاً.. أنا لا أعرف مشاعرك نحوي. ربما تستلطفني، ربما تبقيني في حيّز الصداقة، ربما لا تفكّر أصلاً في الحب، ربما تفكّر في الهجرة فلا تريد مشاريع عاطفية تعطلك عن ذلك، ربما هناك أخرى، على الرغم من كلامنا معًا الذي لم تأتِ فيه على ذِكر أخرى أو أي إنسانة مقرّبة لك حاليًا. لا أريد إحراج نفسي رغم أن البقاء على الحياد مؤلم في أحيان كثيرة. سأفعلها مرة وأعترف لك، سواء برسالة طويلة أو رسالة نصية أو وجهًا لوجه، لكني بالتأكيد لا أرغب في أن تؤجل اللحظة والاعتراف إلى حين أراك صاعدًا العربة الزرقاء ذات النوافذ الشبكية الضيقة.
ثانيًا.. فكرة السَنَد نفسها. أمس قرأت مقالاً قصيرًا عن "اضطراب التعلّق"، الذي يتحدث عن افتقاد الطفل للاهتمام الكافي، وتعرضه للتجاهل، فينشأ جائعًا للاهتمام، ويبدأ في الدخول في علاقات ربما تكون مؤذية له فقط ليحظى ولو بقليل من الحب. أنا منذ عرفتني وأنا أحب على روحي، أنجذب لأشخاص لا يعرفون أصلاً أني موجودة على ظهر الأرض، وأظل أكلمهم بالساعات في أحلام اليقظة، وأحبهم أكثر، وأتخيلهم يسندونني، ويربتون عليّ، ويحادثونني. تخيّل؟ أفتقد حتى المحادثة والسَمع والعلم بأن كلامك لن يُحكم عليه أو يُستخدم ضدك أو تُخوّن في أفكارك.
الآن.. ما توصلت إليه من قراءة وبعد المرور على عدة أطباء نفسيين، أني لا بدّ من أن أعرف كيف أقف على أرض صلبة وحدي. كيف أسند نفسي، كيف أحبها وأتقبلها وأحاوطها بالاهتمام وألا أتجاهلها، وأن أرعاها وأحدب عليها. عندها فقط، سأعرف كيف أوجّه طاقة حبي نحوك دون الانتظار المَرَضي لاهتمامك نحوي ورعايتي رعاية طفلة لا تعرف كيف تخطو نحو الشارع ولا تواجه السيئين في المواصلات.
هذه هي المشكلة. الموقف معقّد جدًا، لكن كل يوم، عندما أرفع وجهي عن الشاشة ومتابعة الأخبار التي تعكّر الدم، أفكّر فيك. أفكّر أني يجب إخبارك بالأمر، لكن وماذا بعد؟ هنعمل إيه؟ ماذا بعد الاعتراف؟ هل ستسهل الأمور أم تتعقد الدنيا أكثر؟
في عشية يوم المظاهرات، أرسل أحمد مهنى الكاتب والسيناريست يقول: "الحقوا اعملوا الحاجات اللي بتحبوها..."، كان يخشى أن يصاب أحد أحبائنا أو يعتقل أو يحدث أي شيء يجعلنا نغترب عن بعضنا. اعتبرتها إشارة من السماء أن أفعلها وأعترف، لكني تراجعت، قلت الوقت ليس مناسبًا.
أنا أفحت في البحر منذ سنين طويلة، يأتي الموج ويردم ما حفرته، لا حب حقيقي أو وَنَس أو اعتراف بالهزيمة والفشل، لا حب لنفسي أو مراعاة لاحتياجاتها، لا شريك لطيف يشجعني أن أدع الثقة تنبع من نفسي لا من الآخرين، كما يقول حسين لليلى في رواية "الباب المفتوح". سأحفر كثيرًا ما دمت على هذا النحو، سأظل مذبذبة هل أخبرك أم لا، هل أواصل مرحلة استكشاف الذات وعلاج النفس وحدي أم أشركك في الأمر كله. أنا محتارة جدًا، محتارة كثيرًا. لم أكن أتصوّر أن الحبّ يعذب هكذا. أعرف من تجاربي السابقة أنه لا جدوى منه ولا من مشاعري، لكن.. أريد لهذه المرة أن تكون مختلفة.
عزيزي: "هفضل أحبك من غير ما أقولك إيه حيّر أفكاري" على طريقة الستّ في تعذيب نفسها وإرساء نموذج جلد الذات لسامعيها ومحبيها.
************
نُشرت في نون، هنا
No comments:
Post a Comment