Sunday, October 8, 2017

فيلم Wall E أكثر بكثير من مجرّد فيلم رسوم متحركة

يحتوي المقال على الكثير من تفاصيل فيلم Wall E 


يبدأ الفيلم بمنظر علويّ لكوكب الأرض. فحين تخترق الكاميرا الغلاف الجوي، نلاحظ ازدحامه بالكثير من الأقمار الصناعية وبقية “قمامة” الفضاء. هذه بالضبط، “القمامة”، هي ما بُني فيلم Wall E عليها، على الأقل في النصف ساعة الأولى منه.

نرى ناطحات سحاب عادية، وأخرى صُنعت بالكامل من القمامة المشكَّلة في مكعبات محكمة الضغط، كيلا تأخذ مساحة كبيرة أكثر مما هي آخذته بالفعل. تبدو الأرض مهجورة جدًا، وصحراوية جدًا. إلى أن نلمح كائنًا صغيرًا يجري بين أكوام القمامة. هذا الكائن، وال-إي Wall-E، بطلنا الذي سيصحبنا في رحلة تغادر المكان والزمان لتثبت معانٍ جديدة للبطولة والحب والتضحية.


من البداية، نرى نقدًا واضحًا للعمل الذي تقوم به الشركات الكبيرة مثل Buy-N-Large التي استحوذت تقريبًا على كل شيء نراه في تلك الأرض التي يجري وسطها وال-إي. فهي قد أنشأت متجرًا عملاقًا ما زالت شاشاته تضيء محدِّثة “اللا أحد” عن مزايا التسوق منه، وعروضهم الجديدة، وآخر عرض مسجّل ظلّ يُذاع للسبعمائة سنة اللاحقة، هو عن الهرب من أكوام النفايات التي ملأت الأرض، للالتحاق بسفينة الفضاء أكسيوم Axiom، التي صنعتها أيضًا، مع وعد بترك الآلات شقائق وال-إي لتنظيف الأرض لحين عودتهم، بعد خمس سنوات كما هو مقرر لهم من الإعلان.

ينتقد الفيلم – بلمحة خفية – النمط الحالي لحياة البشر، أي الاستهلاك مع قليل من الزراعة، ثم تلويث الأنهار – يظهر هذا في جفاف مجرى مائي كبير وعلوّ جانبيه، مما صنع منه واديًا جافًا – وأخيرًا تكويم النفايات بلا مبالاة حقيقية بمصير الأرض. كل الدول تنتهج هذا النهج، حتى بلاد العالم الثالث “الفقيرة” نسبيًا، لها حصتها أيضًا من تلويث الكوكب بكل مسطحاته.

إضافةً لذلك، يلوم فيلم Wall E سكّان الأرض على إهمالهم لها بدلاً من الاعتناء بها، المحافظة عليها وتحويلها لبيئة “مستدامة”. وكلمة مستدامة تحديدًا هي ما بنى القبطان “بي ماكريا” نظريته عليها، وقراره بأن “يفعل شيئًا” لأن على حدّ قوله، لا أحد يفعل أي شيء على ظهر سفينة الفضاء تلك. في جدال القبطان مع الطيار الآلي، قال له “الأرض بها حياة مستدامة، والدليل على ذلك هذه النبتة. سنعود إلى الأرض.”

يستمر انتقاد فيلم Wall E لنمط الحياة الاستهلاكي المعاصر؛ فالبشر على سطح السفينة تحولوا لأجولة من البطاطس، حيث يجلسون طيلة النهار والليل أيضًا على كراسي طائرةٍ، يمكنها أن تتحوّل لأسرّة في الليل. يقضون كل وقتهم هكذا، يتحادثون عبر شاشات أمامهم، يتناولون الطعام في أكواب ذات أعواد ماصّة، كأنها عصير أو اللبن الذي يرضعون، إشارة لفقدانهم التطور الإنساني الحقيقي ليصبحوا أطفالاً بلا مسؤولية، مجددًا.



يظهر فقدان الإنسانية أيضًا في عدم التواصل الحقيقي، فعندما يسقط أحدهم من على كرسيه ولا يستطيع التحرّك لأنه لم يعتد الحركة على الإطلاق، يستعطف المارين حوله بأن ينقذوه ليجلس على الكرسي، لكن لا أحد يسمعه. لا أحد، سوى الروبوت وال-إي، الذي يساعده على الاستلقاء على الكرسي، ثم يهتف باسمه: “وال-إي”. وهكذا، أصبحت الروبوتات – أغلبيتها في الفيلم – أكثر إنسانية وتعاطفًا ولديهم مشاعر أكثر من الآدميين.

يظهر أيضًا في الفيلم قلق صانعيه من تأثير الاحتباس الحراري. فكلّ ما حول وال-إي صحراء مصفّرة، وتكثر العواصف الرملية جدًا لدرجة أنه يضطر للاختباء في “منزله” الذي صنعه بنفسه داخل مخزن لإصلاح روبوتات “وال-إي” وجمع فيه كل ما يجده “غريبًا” أو جاذبًا للاهتمام: مكعب روبيك، شوكة طعام لها بطن ملعقة يحار في تصنيفها، قطعة كعك “توينكيز” ما زالت طازجة رغم مرور 700 عام على تصنيعها، وأخيرًا، تحفته الفنية التي يشاهدها كل ليلة قبل الراحة، مقطعًا راقصًا لأغنية “أهلاً دولي Hello, Dolly! “.

وبهذا، يرسل فيلم Wall E رسالة تحذيرية من أجل الاهتمام بالبيئة، بدلاً من كونه مجرد “كارتون” عادي عن قصة الحب أو انتظار البطلة لأن ينقذها البطل، كما في حكايات سندريلا أو سنووايت. بدلاً من ذلك، يساهم البطلان – وال-إي وإيفا – في إنقاذ بعضهم وإنقاذ الأرض من مصيرها المُهمَل المتروك.

يشاهد وال-إي كل ليلة الفيديو الراقص، فيحلم بإمساك يد شخص ما، أي شخص، ويحلم بالحب، ويحاول الرقص مثلما يفعلون في الشاشة المكبّرة. تبدو وحدته كبيرة، خاصة عندما اتخذ من الصرصار صديقًا له. لوضع الصرصار في القصة دلالة أيضًا، فمن بين كل الأنواع التي تعرّضت للكارثة التي قضت على الديناصورات، لم ينجُ سوى الصراصير والنحل وأسماك القرش والسلاحف البحرية الخضراء، وثلاثة أنواع أخرى. لذا، من الطبيعي أن يستمر ليحيا بعد هجران الأرض.

لوال-إي طبيعة بشرية أيضًا، طوّرها عبر 700 عام من تركه وحيدًا. وتتمثل في هز الدرج الذي يتكوّر فيه على نفسه لينام، ثم يستيقظ متعكّر المزاج فيفشل في ارتداء حذائه – الجنزير – ثم يخرج متكاسلاً للعمل. يجد النبتة أثناء بحثه، فيحافظ عليها بوضعها بجذورها في حذاء قديم، ناويًا أن يضمها لمجموعته، غير عالم بأنها ستقلب ما تبقى من حياته. تتبدى تلك الطبيعة البشرية في كل الآلات “المارقة” عن النظام، فيتبعون إيف في محاولتها لإنقاذ وال-إي، وفي النهاية يتركون لهما الساحة ليتعارفا مجددًا على بعضهما، بعد وصولهما للأرض. هناك أيضًا آلات “وال-إي” العملاقة في سفينة الفضاء، والتي تركت عملها وسلّطت الأضواء عليهما لكي تساعد إيف على إنقاذ وال-إي، ثم تلوّح لهما حينما طارا ليكملا مهمتهما: العودة للأرض.

تأتي إيف، فتدخل دخلة مسرحية جدًا تلفت كل الأنظار، بآلات معقدة وصاروخ عملاق، ثم تظهر هي ناصعة البياض لتأكيد الاختلاف بينها وبين وال-إي المتسخ. يقع الروبوت الصغير في حبها من أول نظرة، ثم يشاهدها تطير بعدما يرحل الصاروخ وتتأكد ألا أحد يراها. تطير وتلعب في السماء وتدور حول نفسها، مبيّنة بذلك خصائص بشرية أيضًا، في عشق الحرية والرغبة في الحصول على بعض المرح أثناء العمل.

يترك وال-إي عمله ليعتني بها، بعد انتهاء مشهد تعارفهما الجذاب والممتع، ويمضي بها لبيته كي يريها الكنوز. لكنها رغم انبهارها بكل ما عُرض عليها، توقفت عن النشاط ودخلت في مرحلة كمون اضطراري بعد حصولها على النبتة، لأن هذا ما جاءت من أجله. هنا، تتبدى مجددًا الصفات البشرية لوال-إي، من رغبة بالإيثار والتضحية، فيصاحبها حتى في الفضاء، كيلا يفترق عنها مجددًا.



تأتي دخلة القبطان لتوضح كسله الشديد، لكن هذا يتغيّر مع فضوله النهم للمعرفة، حينما يسأل الكمبيوتر أن يحلل المادة التي تركها وال-إي في يده لما مدّ له ذراعه لمصافحته. يحلل المادة، ثم يطلب من الكمبيوتر أن يعرّف له كل شيء يخطر بباله: ما الزراعة؟ ما هي الأرض؟ عرّف البحر؟ ماذا يعني الرقص؟ وهكذا. يبدو أيضًا على القبطان بعض من ملامح الإنسانية، فيعتني بالنبتة عندما تصل ليده أخيرًا، ويرويها ببعض الماء كما شاهد في الكمبيوتر ليحميها من الجفاف. ثم يقرر أن يغلب الطيار الآلي ويعود إلى الأرض.

في نهاية مشهد العِراك بين الطيار الآلي – الشرير – وبين القبطان، وبعدما يسقط القبطان من على كرسيه، يحاول النهوض. في هذا المشهد، تتصاعد موسيقى فيلم 2001: A Space Odyssey، والتي أذيعت في هذا الأخير كخلفية لتعليم القرود استخدام الآلات. وهذه مفارقة ساخرة بين الفيلمين، للدلالة على ما وصل إليه حال البشر من خمول وكسل على سطح الأكسيوم، بعيدًا عن الأرض.

رسالة أخرى من صانعي الفيلم، وهي التأكيد على ضرورة مقاومة المجتمع الذي يريد أن يصنع منا نُسخًا متطابقة، وكيف ألا ننصاع وراء الضغط المجتمعي، وأن نكتشف مواهبنا المتفردة ونطوّرها. وهذا ينطبق على أغلب أبطال الأفلام الأخرى، مثل الفأر الذي يحاول أن يضارع طباخًا فرنسيًا، أو بطل خارق يحارب كيلا يتحول لشخص عادي، أو قبطان سفينة فضاء لديه كل الأسباب اللازمة لرفض الوضع الحالي.

يؤكد فيلم Wall E على انتصار الروح للقوة الهائلة للحب، وللخصيصة الإنسانية المعروفة بـ “التعاطف”. نراها في “إيف” التي صممت على استكمال مهمة العودة للأرض كي تنقذ وال-إي، ومحاولتها على السفينة أن تخفيه عن الأعين أو تعيده للأرض كيلا يتعرض للأذى. نراها أيضًا في محاولة ماري إنقاذ الرُضّع عندما مالت السفينة على جانبها ومال معها كل الركاب وسقطت المقاعد متجهة نحوهم، ثم تأتي إيف التي لم تقتنع بترك البشريين يرتطمون بالمقاعد المهرولة نحوهم، فتركت مهمة إنقاذ وال-إي واستخدمت كل قوتها في إبعاد تلك المقاعد الساقطة. لكن المساعدة لم تختفِ، فقد انتصر القبطان لروح النبتة وللأمل والتصميم بداخله، وعدّل من وضع المركبة فتمكنت إيف من مساعدة وال-إي.

بقي أن نذكر الجوائز التي حصل عليها فيلم Wall E فقائمة الانبهار به تتضمن جائزة الجولدن جلوب لعام 2008 في فئة أفضل فيلم رسوم متحركة، وجائزة هيوجو لعام 2009 لأفضل عرض درامي طويل، والأوسكار في فئة أفضل فيلم رسوم متحركة، إلى جانب ترشحه لخمس جوائز أخرى من الأوسكار.

في النهاية، يمكننا أن نعتبر فيلم Wall E عريضة دفاع عن البيئة التي يخرّبها الإنسان على مدار اليوم والساعة والسنة، وعرضًا آخر لخصائص إنسانية في سبيلها للزوال لو استمر البشر على نفس المنوال الحالي من اللامبالاة والتجاهل، وأيضًا احتفاءً بالحب والتعاطف، ودورهما في إنقاذ البشرية. هذا تقريبًا كل ما أراده المخرج، أندرو ستانتون إيصاله للمشاهدين، ليصبح الفيلم بذلك مناسبًا للكبار والأطفال، على حدٍ سواء، وليجعله من أفضل أفلام الرسوم المتحركة التي أنتجتها بيكسار في بدايات العقد الأول من الألفية الجديدة.


______________________________
* نُشر هذا المقال على "أراجيك فن" بتاريخ
1-6-2016
** المصادر:
 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7

مسلسل Agatha Christie: Poirot يتحدّى خلايانا الرمادية الصغيرة


أفكّر في أني مشتبه به قوي جدًا في نظر المسيو بوارو – بواغو كما ينطقها هو. فأنا تحركاتي غير منتظمة، خرقاء نوعًا ما، أقول كل ما يأتي على بالي دون تفكير، لا أعرف أين كنت في مساء الحادي عشر من يونيو الماضي، وبالتأكيد لي أعداء كثيرين يشتبهون بي.


السجلات الحكومية لا تذكرني، وبهذا أنا غير موجودة أصلاً، ولو فعلت، فإنها تذكرني بالسوء، لو جرّب وفتّش في سجّلات الأمن الوطني، لو كانت متاحة في أكثر خيالاتنا جموحًا.

وُلد هيركيول بوارو، شخصية المحقق البلجيكي اللاجئ لبريطانيا، في رواية “القضية الغامضة في ستايلز” المنشورة عام 1916، والتي تعدّ أول رواية تكتبها أجاثا كريستي، الملكة المتوّجة على عرش الروايات البوليسية.


أما على الشاشة، فقد وُلد بوارو في مسلسل: “Agatha Christie: Poirot” الذي عُرِضَ من عام 1989 إلى عام 2013، على قناة ITV المسؤولة عن بعض أكثر المسلسلات نجاحًا وشُهرة مثل “Downton Abbey – 2010”.

لعب دوره “ديفيد سوشيه”، الذي رشّحته عائلة أجاثا كريستي نفسها بعدما رأوا دوره في مسلسل Blott in the Landscape 1985””. وقالت روزاليند هيكس ابنة أجاثا كريستي إن والدتها ستكون مسرورة، لو أنها عاشت ورأت تمثيله لشخصية هيركيول بوارو.

يأتي سوشيه، فيلعب دور بوارو بحرفية: يزيد وزنه لينبت له كرش لطيف، ويدفع حائك الملابس الذي يتعامل معه – فلنتذكر أننا في إنجلترا الثلاثينيات، بعد الحرب العالمية الأولى وقبل الثانية، حيث الكلّ لديه حائك خاص – للتساؤل عن إذا ما رغب في اتباع حمية أو التفكير في وزنه، فينظر له بوارو بغضب ويقول إن العيب في قياسات الحائك لا في جسد بوارو.

لكن في حلقة أخرى، بعدما رأيناه وهو لا يستطيع الانحناء جيدًا أو التقاط صندوق ومساعدة صديقه الضابط المتقاعد كابتن آرثر هيستينجز؛ زميله وشريكه في حلّ الجرائم، يتجه لإحدى المصحّات على البحر، حيث يخضع لجلسة ساونا مقيتة، احتملها بصبر وجلَد لأنه رجل ذو مكانة وعليه ألا يشكو.

لكن في هذه المصحّة بالذات تقع جريمة قتل، فيحلّها بعد بعض الجهد، وبهذا تنتهي رحلته بعدما حصلت “الخلايا الرمادية الصغيرة” في عقله على ما يكفيها من الراحة، كما يقول.



“فلننعش خلايانا الرمادية” أو “إن الخلايا الرمادية الصغيرة تقوم بعملها” تنويعان على نفس المعنى، أي خلايا المخ التي تقوم بالتفكير وحلّ لغز الجريمة. تلك التي كان يخدمها بوارو جيدًا، فيأكل السمك وخاصة السلمون، ويسافر للبحر، ويخرج للتنزّه في الحديقة، ويشرب الشاي بالأعشاب – يُسمّيه “تيسان Tisane” – كريه الطعم على رأي الكابتن هيستينجز، ويغمض عينيه كثيرًا خلال اليوم ليفكّر في حل قضية ما أمامه، ويحصل على قدر كافٍ من النوم يوميًا، في سريره المرتّب جيدًا، الذي يتوسطه تمامًا عند الاستلقاء، ويضع كلتا يديه الممسكتين بحافة الغطاء، على صدره.

أقول لقد تقمّص سوشيه الدور جيدًا جدًا، ووضع شاربًا “صغيرًا مضحكًا” على حدّ وصف السيدة كريستي في قصصها عن بوارو، التي تزامن أني قرأتها مع مشاهدة مسلسل Agatha Christie: Poirot .. تنحرف حافتاه للأعلى، ويحرص عليه جدًا، فيضع عُدّة التشذيب:

مقص صغير ومشط أصغر ومرآة، وموقد متناهي الصغر يُشعله بالكبريت كي “يصبغ” شاربه بعدما شاب؛ في درج مكتبه حيث يجلس في انتظار القضايا لتهلّ عليه. رأسه أصلع إلا من بعض الشعر على الجانبين، والذي يحرص على تمشيطه وتسويته حرصًا مبالغًا، ويعود من عِند المزيّن ليتطلع مليًا في المرآة، ليعرف هل الشعر على جانبي الصدغين متساوٍ تمامًا في الطول أم لا!



أصبح سوشيه، مثل وصف كريستي لبوارو، شخصية بيضاوية: جسد يشبه البيضة، ورأس أصلع بعيون ثاقبة وشارب معقوص لأعلى، فيغتاظ منه أحد المجرمين الذي كشف سرّه ويصيح مهمًا بضربه: يا رأس البيضة!

وبهذا يكون قد حقق تقمصًا شكليًا ممتازًا لشخصية هيركيول بوارو، حصل عليه بسببه فنانو التجميل والملابس القائمون على المسلسل جائزة أحسن ملابس ومكياج، قدمتها مؤسسة “جوائز الأكاديمية البريطانية للحِرف التلفزيونية The British Academy Television Craft Awards، للأعوام 1990 – 91 – 92.

رأس البيضة

لكن تقمّص البطل لدور الشخصية الرئيسية لم يأتِ حسب الشكل فقط، بل هناك اللغة أيضًا. من المفترض أن “هيركيول بوارو” كان رئيس الشرطة في بروكسل ببلجيكا، وعندما قامت الحرب العالمية الأولى لجأ لبريطانيا، واستقرّ في لندن على الدوام.

نتيجةً لنشأته، فإنه يتكلم الإنجليزية محشوّة بكلمات وتعابير فرنسية، مثل “أليس كذلك؟ – N’st-ce pas؟” أو “بالضبط، أو تمامًا – Parfait” أو حينما يخاطب هيستينجز أو كبير المفتشين جاب، بقوله “يا صديقي – Mon ami”.

يتحلّى بوارو أيضًا بخصلة الغرور، فهو يعرف دائمًا ما يقول وما يفعل وما الخطوات التالية لاتخاذها، وينتبه لكل تفصيلة. في نهاية بعض الحلقات، عندما يجتمع بكل المتعلقين بالجريمة – سواء أبرياء أو متهمين – ليُطلعهم على الحلّ، يقول في المقدمة: ميدام إي ميسيو – أيها السيدات والسادة – ما فعلت هذا إلا لإنقاذ سُمعة هيركيول بوارو كمحقق، حيث يخشى ألا ينجح في إحدى المرات فيُشاع عنه ذلك ويشمت به الناس، ويفقد عملاءه.

في نهاية قضية أخرى، وعقب سماع بعض الملحوظات من هيستينجز عن ضرورة التواضع، يقول ردًا على إطراء السيدة صاحبة القضية إن هذا “لا شيء”، وأنه قد “حالفه الحظ فقط”، متخليًا عن غروره الأسطوري، فيبدي هيستينجز تعجبه، ويصمم بوارو على ألا يضاهيه أحد في تواضعته أو “Humbility”، كما ينطقها مخترعًا كلمة جديدة للإنجليزية!

وُلدت شخصية بوارو لأول مرة في رواية “القضية الغامضة في مدينة ستايلز”، والتي كُتبت أثناء الحرب العالمية الأولى، عام 1916، ونُشرت بعد ذلك بأربع سنوات. ذكرت كريستي في هذه القصة لأول مرة أيضًا كبير المفتشين في سكوتلانديارد؛ جيمس هارولد جاب، والكابتن آرثر هيستينجز، العائد لتوّه من الحرب.

كان بوارو وهيستينجز قد تقابلا مُسبقًا في قضية وعملا على حلّها معًا، فلما تقابلا ثانية اتفقا على حلّ لغز موت السيدة إيميلي إنجلثورب في ستايلز، ومنذئذٍ وهما يعملان معًا. يقول بوارو في إحدى الحلقات عن هيستينجز أنه يفكّر بعادية جدًا، بحيث إنه يدفعه للتفكير في النقيض تمامًا مما يقوله هيستينجز، لكي يصل لطريقة التفكير ووسيلة تحقيق الجريمة التي اتبعها القاتل/ المجرم، والذي حتمًا يتمتع بقدر من الذكاء كبير لكنه لا يُضاهي – بالطبع – ذكاء بوارو.



في المكتب لدى بوارو في لندن، توجد الآنسة فيليسيتي ليمون، وهي تقوم بدور السكرتيرة وحافظة الملّفات ومُعدِّة التيسان الخاص بالسيد بواغو، وترتب له مواعيده، وتمارس في إحدى الحلقات قراءة أوراق التاروت ولعبة الويجا للتواصل مع الموتى، حيث يكتب الميّت المفترض أنه فرعوني كلمات بخرفشة تشبه العربية!!

كما تأخذ دروسًا في الرياضة البدنية والتنويم المغناطيسي، وتساعد المحقق فعليًا في حلّ إحدى القضايا بممارسة التنويم. بالإضافة لهذا، فإنها تصحبه في كثير من الأحيان لأماكن بعيدة عن لندن، لتساهم في إلقاء الضوء على بعض الحقائق لتساعده في حلّ القضايا.

شخصية ميس ليمون عملية فعلاً، ترفع حاجبيها الرفيعين جدًا في استنكار لأي شيء غرائبي يقوله بوارو، ثم تهز كتفيها وتمضي لغرفتها المتصلة بغرفته بنافذة زجاجية، يفتحها المسيو ليطلب التيسان بثلاث ملاعق – وأحيانًا خمسة – من السكّر.

لكن رغم عمليّتها، ففي إحدى الحلقات التي وقع بوارو فيها في غرام كونتيسة روسية هاربة يراها لأول مرة، ويأخذها للمتاحف والحدائق، يتحدثان كثيرًا وبأدب شديد، ويودّعها على المحطة برقة بالغة تكاد تفرّ دموعه معها، ويعرف أنها هي المجرمة لكن يرفض تجريمها أو أن يخبر الشرطة عنها.

في تلك الحلقة تحديدًا، يغيب بوارو بالأيام عن مكتبه تاركًا هيستينجز يتعجب من ذلك، ويسأل ميس ليمون: “ماذا سنفعل إذا اتخذ طريقًا آخر غير هذه؟” – أي تزوّج. يقول هيستينجز إنه سيسافر لأمريكا الجنوبية، ويسألها ماذا ستفعل، فتصمت ويبدو عليها الوجوم، وتدير وجهها كيلا تبكي، وتطلب منه عدم الحديث في الموضوع. في هذه اللحظة تحديدًا، أكاد أتيقن أنها تكنّ مشاعر للمسيو، لكنها نجحت في إخفائها.



الكاتب كلايف إكستون والمخرج بريان إيستمان، عملا معًا في كتابة السيناريو والإخراج من الموسم الأول حتى الثامن. كتباه بحذاقة بالغة، بحيث حوّلا كل قصة قصيرة تنتهي في صفحات بسيطة إلى حلقة مليئة بالأحداث والكلمات مدتها تقارب الساعة، مقحمين الشخصيات المُساعدة: جاب وهيستينجز وليمون، في كل واحدة منها عدا الموسم الرابع. رسما الشخصية جيدًا جدًا، واتبع الممثلون تعاليمهما بدقة، فخرجت النتيجة بمهارة وحرفية واضحتين.

نعود لشخصية بوارو التي جسّدها ديفيد سوشيه في المسلسل، فهو يحب الأشكال المربعة؛ حيث تصفه كريستي في إحدى القصص أن بيته يخلو من المنحنيات، فالأرائك مربعة وحتى الوسائد الصغيرة، ويتمنى لو كل شيء في العالم مربّع الشكل.

يكره الغبار جدًا، حيث في أحد أوقات فراغه من القضايا يُعلِّم هيستينجز كيف يلمّع حذاءه وأي المواد يستخدم. يتابع الأخبار جيدًا، وذاكرته تحتفظ بالأسماء والشخصيات. يرفض ذات مرة تناول بيضتين على الإفطار، لأنهما ليستا “متساويين” في الشكل والحجم.

يكره السفر بالبحر والجوّ، بل إنه نام في إحدى الرحلات بالطائرة الصغيرة ذات المحرّكين، وحصلت جريمة قتل على بُعد عشر أمتار منه، واضطلع بالتحقيق فيها كيلا يقول الناس إنه “غافل” عن المجرمين وما يفعلوه.

يحب النظام جدًا، لدرجة أنه يرتّب التماثيل الخزفية الصغيرة على رف مدفأة السيدة إيميلي إنجلثورب مرتين، وبهذا يكتشف أين ذهبت الوصية، ومن القاتل. عند مروره بجوار بائع الصحف، فهو يرتبها بدقة كبيرة تغيظ البائع لكنه مهذب ولا يتكلم. عامة، كل الشخصيات حتى القتلة، مهذبون جدًا في هذا المسلسل.

تقول الويكيبيديا إن كلايف إكستون وبريان إيستمان تركا شخصيات هيستينجز وجاب وليمون تختفي، واقحموا أمورًا لم تكتبها كريستي نفسها، مثل تعاطي المخدرات والجنس والمثلية، ويُعلون من الشخصيات النسائية وبطولاتها رغم حياد كريستي فيما يتعلق بالبطولات لكلا الجنسين.

شكرًا سوشيه، شكرًا كريستي، شكرًا قناة ITV، على كل المتعة الراقية النظيفة التي قدمتموها لنا في مسلسل Agatha Christie: Poirot.
____________________
* نُشر في "أراجيك فن" بتاريخ
13-4-2016
** أول مقال أنشره مع أراجيك، وله في قلبي معزّة خاصة :))
*** يُصادف إني كنت بارفع المقالة ومحمد صلاح بيجيب الجون التاني عشان المنتخب يصعد كاس العالم :D

Friday, October 6, 2017

عن حسين الذي لم يُرِد لنادرة أن تمضي






حسين: إنتي مقرفة يا نادرة، مقرفة.. متمشيش.
نادرة: أنا أصلاً مكنتش همشي.

في فيلم "فيلا 69" عرفت محمد الحاج من شاربه. رأيت شابًا يقف مع آخر أكبر منه في السن ويواجهان "حسين"، أو خالد أبو النجا، ويتناقشان بحدة في مستقبل المكتب الهندسي الذي يملكه ثلاثتهم. أنا انفصلت عن الحديث الدائر وركزت كثيرًا في وجهيهما: يبدوان مألوفين! إلى أن توصلت أن الطويل صاحب الشارب هو محمد الحاج، كاتب السيناريو هو ومحمود عزت، والشاب الآخر مخرج اسمه عمرو سلامة، لم يكن عمرو سلامة هو المخرج لأن محمود عزت أخبرني عن أنه استقى الفكرة أصلاً من آيتن أمين المخرجة، وعملا عليها عامين مع محمود عزت الذي انضم إليهما في النهاية.

لو بدأت أصلاً في الحكي عن كل ما يُحضِره للذهن اسمي الحاج وعزت ومدونتاهما لن ينتهي الحكي أبدًا. إضافة لأنه شخصي فربما لن يهمك كثيرًا.

في الفيلم، يظهر "حسين" عكر المزاج دومًا متسلطًا طويل اللسان. يغضب دائمًا من أصوات الصراخ الآتية من المستشفى القريب إعلانًا عن حالة وفاة جديدة، ويعقب "حد يموت الساعة 10 الصبح؟ هيعملوا إيه بقية اليوم؟"، ولا يردّ عليه خادمه "عبد الحميد" الذي يقرر أخذ إجازة لأن والده مريض بعض الشيء، ولا يظهر لبقية الفيلم.

تهجم عليه في الفيلا "نادرة" أخته، التي تلعب دورها لبلبة. تأتي ومعها خادمتها الصينية "عائشة" وابن بنتها "سيف"، لتقيم مع "حسين" بعض الوقت. يعاملهما هذا الأخير بغلظة كبيرة ويطردها أكثر من مرة. إلى أن يقرر أن يصعد لغرفته القديمة في الطابق الثاني، والتي احتلها "سيف" حفيد نادرة، وقال له "كان لينا فيلا، كان الدور التاني فيها لأبويا وأمي، لحد ما قرروا يهدوها بعد كده بسنين طويلة، عمري ما شفت الدور التاني ده". وكرر آخر جملة مرتين. لسبب ما، قررت أنا أنه يفتقد والديه كثيرًا، وأنه -لسبب ستعرفه مع استمرارك بالمشاهدة- قرر أن يصعد الدور الثاني رغم صحته المتداعية، ويتأمل فيه. ينام على نفسه "حسين"، وبعد ذلك بعدة ساعات يستيقظ ليرى "سيف" نائمًا على الأرض أمام الباب، ليشعر به إذا استيقظ وقرر مغادرة الغرفة.

"حسين" مريض. نعرف ذلك من الممرضة "هناء" التي ترتدي قرطًا كثير الحلقات "مخصوص عشانك"، فيسخر منها ومن البلاستيك الذي ترتديه في أذنها، ورغم ذلك لا تغضب منه. "حسين" يأخذ حقنًا كثيرة وأقراصًا ويتقيأ يوميًا، لكنه مع ذلك لا يظهر بالمظهر العاجز المغلوب على أمره المعتاد من السينما المصرية، فهو غاضب على الدوام، يراقب جاره اللواء المتقاعد الذي يركض في الشارع دومًا ليحافظ على لياقته، ويسبه عندما يعرف سبب انتفاخ عضلاته.

تزور "حسين" في غرفة نومه -دائمًا غرفة نومه- فرقة من أصحابه يلعبون الموسيقى معًا، يعزف هو على العود ويحاول ضبط مزاجه أولاً ليعزف جيدًا. الفرقة فيها ولدان وبنت، يرتدون جميعًا ملابس من السبعينيات وشعورهم مصففة سبعيناتي جدًا. لا يراهم أحد سوى "حسين"، حتى صراخه في وجوههم لا يسمعه أحد سواه، رغم سكناه في الدور الأرضي كيلا يصعد السلالم من وإلى المطبخ وغرفة المكتب. بعد تدخينهم هم للحشيش وما سواه، يسمح لهم بالنوم حوله في الفراش، ليحيطونه من كل جانب بأريحية كبيرة. ربما يحتاج "حسين" لمثل تلك المحاوطة وإن لم يقل؟ يظل هو ساهرًا قليلاً بعدما ينامون ثم يغلبه التعب، فينام.

قرب نهاية الفيلم، يعزفون موسيقى راقصة في جو ممطر، فيسخر من المطر ويأخذ بيد يسرا الهواري ليرقص معها. في المشهد، تبتسم له يسرا جدًا ثم تلقي رأسها على صدره. في المشاهد الأخرى لا يسمح "حسين" لأحد بلمسه، ولا يظهر ضعفه أمام أحد. قبل مشهدين من النهاية، يدخنون الأرجيلة معًا جميعًا، ويسمح "حسين" لنفسه بالتدخين، الأمر الذي تعلّق عليه يسرا بأنه لم يعد يخاف. هل لقربه من النهاية؟ هل يعرف؟ 

تظهر فتاة في أواخر العشرينيات في مطبخ "حسين"، وهو يعدّ لها سلطة بالأناناس والخس. يدخل عليهما "سيف" حفيد نادرة، ويبدي تصرفات مثل "حسين" تمامًا، فيقرر هذا الأخير أن ميعاد مغادرة الفتاة قد حان، لكنه يقبلها على خدها قبل أن تغادر. هل غار من "سيف"؟ هل عامله كرجل مثله يخشى منه على فتاته؟

قرب نهاية الفيلم تعرف الفتاة ما بـ"حسين" من مرض، منه هو شخصيًا وقد أدار وجهه للناحية المضادة وبكى. تطوُّر بكاء شخصية "حسين" مهم جدًا، ويجعلك تتعاطف معه أكثر. تقول له الفتاة "إنت أكبر غلطة عملتها في حياتي" وتبكي. لم تظهر بمظهر المضحية الجميلة التي قررت أن تضحي بكل شيء وتبقى معه حتى النهاية، لم تقرر أنه أهم منها يظهر ويختفي في حياتها متى يحلو له تمامًا، لم تتخذ دورًا نمطيًا كما اعتادت الحبيبات الجميلات في السينما أن تفعل، بل أخذت حاجياتها ورحلت.

الفيلم مبهر، لكن ما جعله أكثر إبهارًا شيئان: السيناريو، وخالد أبو النجا نفسه. يظهر على وجه خالد تعبيرات حقيقية تمامًا، يصرخ بصوت عالٍ، يسب كثيرًا، ينفِّر الناس منه. لكنه يقرر منح الممرضة "هناء" صندوقًا أبيض متربًا، فيه فناجين شاي من الصيني الأبيض العتيق جدًا، ويشتري أرض خطيبها التي يعوّل عليها لتمويل رحلة زواجهما، بشرط أن يكتب شيك ثمن الأرض باسم "هناء"، ليضمن ألا "يخلع" خطيبها بمجرد حصوله على المال. 

تضافر السيناريو وتعبيرات خالد لجعل المشاهد تأسر القلب أكثر. ربما تكون مجرد حكاية عادية لمريض عاف الدنيا لدرجة أنه لم يغادر باب الفيلا منذ وقت طويل جدًا، ولسانه أحدّ من مبرد المعادن، ويرفض المساعدة أو الشفقة، لكن تعبيرات خالد، وموقف مثل "إنتي مقرفة يا نادرة، مقرفة" ثم لحظة صمت، ويقول لها دون أن ينظر ناحيتها "متمشيش يا نادرة" بعد أن طردها مسبقًا أكثر من مرة، فتقول بتلقائية شديدة جدًا "أنا أصلاً مكنتش همشي" هي ما تصنع كل الفرق.

يقضي "حسين" كل الفيلم مرتديًا روبًا صوفيًا موضته قديمة جدًا، فوق المنامة. يأكل مرتديًا إياه ويقابل المهندس من مكتبه به. يقرر تعليم "سيف" بعض شِعر أمل دنقل ليبهر "آية" جارته وفتاته التي تراه عاديًا ولا يملك هو ليقدمه لها سوى مشاعره التي لا يعبر عنها أصلاً.

لكن في نهاية الفيلم، يرتدي ثياب الخروج ويقرر أن يخرج في الفجر. يشاهد "سيف" و"آية" يقلبان في كتبه، فيسبهما ثانية ويردان عليه بابتسامة و"إيه الشياكة دي كلها؟" ويقرران مصاحبته للخروج، في سيارة والده العتيقة جدًا.

تصوّر الكاميرا بزاوية علوية أسدي قصر النيل والسيارة تمر في الشارع الخالي نسبيًا، والهواء صافٍ، وابتسامة تفرض نفسها ببطء على شفتيك.
___________________
* نُشر في نون بتاريخ

16-12-2016

أمارس العادة السرية كثيرًا.. هل أنا مدمنة؟

هل تشعر أنك تمارس العادة السرية كثيرًا حتى وصل الأمر حد إدمانها؟ وهل تريد أن تعرف كيف يمكنك التوقف عن هذا الإدمان؟ إن إدمان العادة السرية يؤدى في البداية إلى حدوث التالي:

- إدمان "البورن" بكل أنواعه.
- تعطل العمل والدراسة وسوء الحالة النفسية والاجتماعية.
- التأثير السلبي على الزواج.
- تشويه صورة الإنسان أمام نفسه.
- رفع سقف التوقعات بشدة فيما يتعلق بالممارسة الجنسية الطبيعية، لدرجة الإحباط الرهيب حتى قبل الزواج.
- تعطيل كل نواحي الحياة الأخرى.
- التأثير الجسماني السلبي.
- التأثير على الحياة الدينية وعلاقة الإنسان بربه.
- احتقار الإنسان لنفسه.
- الخوف من انتقال الأمراض الجنسية ومن الفضيحة.
- الخوف من فقدان العذرية.
- عدم القدرة على التوقف حتى مع الرغبة في ذلك.
- انتشار تبريرات مثل "أنا ما بأذيش حد لما بتفرج على أفلام بورن".
- أن يغير الفرد من مبادئه دون مراجعة فكرية سليمة.
- الاستسلام للمازوخية.

ومن هنا أردنا توضيح بعض المفاهيم كي يسهل على مَن يعانون من هذا الإدمان مواجهته:
1- كيف تشعر بأنك مصاب بإدمان العادة السرية؟
- إذا تأثرت صحتك النفسية أو الجسمانية.
- إذا فقدت علاقات مهمة أو فرص عمل أو ترقية أردتها بشدة، نتيجة للاستمناء.
- إذا شعرت بالتعاسة ولم تجلب لك المتعة لكن لا تستطيع التوقف.
- إذا مارستها بشكل متكرر.
- إذا شعرت بعدم الراحة والقلق والاضطراب حيالها.
- إذا كانت هناك عواقب أخرى لم ترد لها أن تحدث.

يعدّ كل من إدمان المواد الإباحية وإدمان العادة السرية متلازمين، وقد أصبح الأمر يشكل قضية صحية واجتماعية مهمة حول العالم لكلا الجنسين. يعد الدافع للاستمناء طبيعيًا خصوصًا لدى المراهقين، حيث يدل على اهتمامهم بالجنس وتعرفهم عليه. ويعدّ أيضًا طريقًا مختصرة للحصول على الإشباع الجنسي الطبيعي. لكن عندما يصبح هوَسًا أو سببًا لكراهية النفس المستمرة، حينها يجب التوقف عنه. وربما أكثر القضايا شيوعًا مع هذا الإدمان، خصوصًا بين المتزوجين، أنه يؤثر على العلاقة بينهما، حيث يشعر الطرفان بعد فترة بالتجاهل وعدم الملاءمة والإحباط.

هناك العديد من الآثار السلبية لإدمان الاستمناء، ومنها:
- اكتئاب طويل المدى.
- صعوبة في ممارسة النشاط الجنسي العادي.
- كراهية النفس.
- الانسحاب من الحياة الاجتماعية.

لذلك نقدم لك في النقاط التالية اقتراحات لكيفية التوقف عن هذا الإدمان:
- توقف عن معاقبة نفسك: تذكر أن الاستمناء دافع طبيعي لدى البشر، والدوافع الجنسية لا تجعل منك شخصًا أقل مكانة من الآخرين، لأن طريقة الاستجابة لها هي ما تشكّل الفارق.

- لا تسمح لنفسك باليأس، لأنه غالبًا مضيعة للوقت الذي يمكنك قضاؤه في التخلص من هذا الإدمان. لذلك، تقدّم في سبيل التعافي خطوة فخطوة، ولا تقفز للنتائج، واعرف أن هناك وسائل فعلية تساعدك على التخلص منه، وأنك لست عاجزًا أو مفقود الأمل فيك فيما يختص بهذه المسألة.

- تخلص من الأشياء التي تغريك للممارسة: وعلى رأسها المواد الإباحية من صور ومجلات وأفلام، لهذا عليك أن تلقي بكل تلك المواد بعيدًا عن محيطك، وعليك أيضًا التحكم في حصولك عليها ودخولك على الإنترنت.

- إذا لاحظت الأوقات والمواقف التي تدفعك للممارسة، اضبط يومك بحيث أن تشغل نفسك بأشياء أخرى في تلك الأوقات، وتجنب هذه المواقف. ومن المفيد تجربة الرياضة مثلاً لأنها متنفس صحي لطاقاتك، حيث تستنفدها كيلا تستغلها في شيء تحاول الإقلاع عنه.

- إذا كان الاستمناء مهربًا لك من الوحدة، حاول أن تجد وسائل للحدّ منها، فمثلاً مارس الأنشطة التي تكون وحيدًا في أثنائها لكن في أماكن عامة، ولا تحبس نفسك في المنزل طوال اليوم.

- اعثر على منفذ آخر لقضاء وقتك وتفريغ طاقتك: املأ حياتك بأنشطة تتطلب بذل الطاقة، لأن الحماسة المنبعثة من فِعل شيء مختلف وتحقيق الأهداف فيه، ولو كانت بسيطة جدًا، يمكنها أن ترفع من مستوى الدوبامين في المخ، وهو الناقل العصبي المسؤول عن شعورك بالإنجاز والمتعة والنشوة، وبذلك ينصرف تفكيرك عن الاستمناء الذي يحفّز إفراز هذا الناقل العصبي في المخ.

- إن عملية تحويل رغباتك الجنسية إلى أنشطة إبداعية شيء برع فيه الحكماء على مرّ الزمن، وتُدعى التسامي. وهو شيء يمكنك أن تتحلى به إلى حد كبير، كي تعود إلى حياة جنسية طبيعية بلا إدمان. 
وهناك الكثير من الأنشطة التي يمكنك استثمار وقتك فيها مثل الكتابة أو تعلم لغة جديدة أو تعلّم البرمجة، أو حتى إتقان الطهي أو الرسم أو قفز الحبل. وهذا الأمر يتطلب إصرارًا وعزيمة وليس سهلاً أبدًا. لاحظ أيضًا أن طريقة معيشتك يمكنها أن تزيد من تحكمك في نفسك أو تقلل منها، حينما يأتي الأمر للتعامل مع الإدمان.

- تحلّ بالصبر والإصرار: إن التوقف عن إدمان العادة السرية لا يمكنه أن يحدث فورًا بمجرد التفكير فيه، لأنه عملية تستغرق وقتًا وتتطلب الالتزام، وقد تقع فريسة للإغراء وتحدث انتكاسات. لا تؤنب نفسك أو تحقّر منها حينما يحدث ذلك، لأن المعاناة الحقيقية تكمن في الإصرار، لذلك حاول من الآن أن لا تدع الأخطاء أو الانتكاسات تقف في طريقك للتعافي. يمكنك أيضًا أن تنشئ نظامًا للمكافأة عند قيامك بأي سلوك حسن أو إنجاز تراه جيدًا، فيما يتعلق بكيفية صرف تفكيرك عن هذا الإدمان أو مدى توقفك عن مطالعة المواد الإباحية.

- كلما طالت المدة التي توقفت خلالها عن الممارسة، زادت صعوبة الاستمرار دون الانخراط في نشاط يؤدي للاستمناء. لذلك، اجعل هذا الأمر حافزًا أكبر لإطالة المدة في المرة القادمة، وبمرور الوقت وزيادة الأنشطة الصحية التي تحفّز إفراز الدوبامين ليعطيك إحساس الإنجاز والمتعة، ستتغلب على الرغبة في الاستمناء أو مطالعة المواد الإباحية. حينها ستكون تقريبًا قد انتصرت.

- عندما تفشل كل محاولاتك، حاول الحصول على مساعدة متخصصة من طبيب نفسي أو معالج للإدمان، في شكل الانضمام إلى مجموعات مساندة أو الاستشارات الفردية.

2- لماذا يجب طلب المساعدة للتعافي؟
يعد الحصول على مساعدة مفيدًا جدًا للتغلب على أنواع الإدمان المختلفة، فمثلاً الاستشارات النفسية تساعدك على التغلب على الآثار العاطفية والنفسية والاجتماعية لهذا الإدمان، وترفع من تقديرك لذاتك. لكن أحيانًا يعدّ من الصعب طلب المساعدة من الآخرين فيما يخص إدمان العادة السرية، لأنها محاطة بالكثير من مشاعر الخجل والذنب، لكن عليك التغلب على هذه المشاعر إذا كنت جادًا في التعافي. لست وحدك من يعاني من هذه المشكلة، وطلب المساعدة خطوة في منتهى الشجاعة يجب أن تكون فخورًا بها.

تذكر أنه على الرغم من شعور بعض الناس بالراحة أكثر عندما يطلبون المشورة من رجال الدين الذين يثقون فيهم، فإن هذا التوجّه ليس الأفضل، حيث هناك دائمًا مكان للاتهام أو لإطلاق الأحكام على من يطلب النصيحة، الأمر الذي قد يُعطّل عملية التعافي. لذلك من الأفضل استشارة المتخصصين من المعالجين النفسيين، لأنهم غالبًا لا يصدرون الأحكام على أحد، ولديهم خبرة كبيرة في التعامل مع مَن يعانون من نفس المشكلة.

3- هل من الصعب التوقف عن إدمان العادة السرية؟
نعم.. صعب. إن الإقلاع عنه عملية تتطلب الالتزام ومعرّضة للانتكاس. لكن تحقيق رقم قياسي بالنسبة إلى نفسك، يشمل عدد الأيام التي قضيتها بلا ممارسة، ومكافأة نفسك على أي تصرف جيد تقوم به، يمكن أن يصبحا دافعًا لك للتغلب على هذا الإدمان.
___________________

* نُشر في نون بتاريخ
24-8-2017
** المصادر:
1
2

عن إدمان الجنس.. هل هذا طبيعي؟

ما حدود الطبيعي أو غير الطبيعي في ممارسة العلاقة الحميمة (الجنس)؟ هل مشاهدة أفلام البورن باستمرار أمر عادي أو مطلوب؟ هل يوجد علاقة بين التحرش وإدمان الجنس؟ هل يجب تحقير من يفكر طيلة الوقت في الجنس وملحقاته؟
نقدم لكِ عزيزتي القارئة ولكَ عزيزي القارئ إجابات على هذه الأسئلة وأكثر، نرجو أن تكون وافية.

1- ما تعريف إدمان الجنس؟
يمكن وصفه بأنه اضطراب نفسي يتميز بارتكاب المصاب به لأفعال وأفكار جنسية، يزيد تأثيرها السلبي عليه وعلى أسرته كلما تطور الاضطراب وتُرك بلا علاج. وعادة ما يتجه المدمن بمرور الوقت لتكثيف السلوكيات الإدمانية، للحصول على نفس مستوى المتعة السابق، لأن سلوكياته الحالية لم تعد تكفيه.

ويوصف المدمن بأنه مهووس بأفكار جنسية، تؤثر سلبًا على عمله أو دراسته، وعلى أن يحظى بعلاقات اجتماعية صحية، وعلى أنشطته اليومية. وقد يعاني المدمن من ارتفاع مستوى الشَبَق (الشهوانية) لديه، حيث تتحكم في حياته ممارسة الجنس والأفكار المتعلقة بها، إلى حدّ أن أنشطته وتفاعلاته مع البشر تتأثران جديًا بهذا الأمر. ويؤمن عدد من الباحثين بأن إدمان الجنس أحد أشكال اضطراب الوسواس القهري.
ومن الشائع أن المريض بإدمان الجنس يحاول إضفاء صفة العقلانية وتبرير سلوكه وأنماط تفكيره، وعادة ما يرفض الاعتراف بأن هناك مشكلة في الأساس.

2- كيف يبدأ الأمر ويتطور؟
ربما يتخذ في البداية صبغة الانخراط في أنشطة جنسية صحية وممتعة، وتنتهي به الحال للتحول إلى هوَس لا يمكن السيطرة عليه. ولا يدرك المصاب الفرق بين الممارسات الصحية والكثير من التخيلات الجنسية والأفعال التي يقوم بها. وقد أدرجت WHO (منظمة الصحة العالمية) الشَبَق المفرط كتشخيص لإدمان الجنس.

3- هل لإدمان الجنس علاقة بزيادة معدلات التحرش في الشارع؟
ليس بالضرورة أن كل مدمني الجنس متحرشون، لكن أغلب المتحرشين بالأطفال مدمنو جنس، وكثير منهم لا يمكن شفاؤهم.
لكن هناك نقطة مهمة.. يعتقد علماء الاجتماع أن التحرش أو الاعتداء الجنسي لا ينبعان غالبًا من رغبة في الإشباع الجنسي على قدر ما ينبع من رغبة كاسحة لشخص مضطرب في إثبات قوته وسيطرته، أو للانتقام ممن يتحرش بهن/ بهم، أو أن يعبّر بشكل منحرف عن غضبه العارم من المجمتع مثلاً.

4- ما أعراض إدمان الجنس؟
يأتي هذا الإدمان في أشكال كثيرة، ليست مقتصرة بالضرورة على الأوجه التالية:
- الممارسة القهرية للاستمناء (العادة السرية)، والتي لا يمكن التحكم فيها أو إيقافها.
- الانخراط في علاقات متعددة في نفس الوقت.
- ممارسة الجنس مع شخص لا يعرفه المدمن.
- تعدد الشركاء الجنسيين.
- إدمان المواد الإباحية، مثل أفلام البورن أو المجلات ذات المحتوى الإباحي، باستمرار وبلا توقف.
- الممارسة الجنسية غير الآمنة.
- إدمان الجنس عبر الإنترنت.
- الاتجاه للعمل في الدعارة.
- المواعدة عن طريق الإعلانات الشخصية، لكن بشكل هوسي تمامًا.
- التحرش الجنسي أو الاعتداء وهتك الأعراض أو الاغتصاب.
- عدم الشعور بالرضا في أثناء الممارسة الجنسية، عاطفيًا وجسمانيًا.
- الشعور بالخجل والعار والذنب.
- الشعور بفقدان السيطرة على التحكم في السلوكيات الجنسية، على الرغم من الوعي بالمخاطر الصحية والاجتماعية والمادية.
- فقدان السيطرة على الوقت والمجهود والمدى الذي أراد المدمن الوصول إليه في البداية أثناء النشاط الجنسي، مما يؤدي إلى حدوث أذى عميق له.
- الشعور بالاضطراب والحزن والقلق والعصبية والعنف، إذا لم يستطع ممارسة أي نشاط جنسي في الحال.
- الزيارات المتكررة لأماكن الدعارة.
- اتباع سلوك سادي أو مازوخي.
- التلصص على الآخرين وهم يبدلون ثيابهم أو يمارسون أنشطة جنسية.

5- ما الأعراض الوجدانية للإصابة بإدمان الجنس؟
لو كان زوجك مدمنًا للأفلام الإباحية أو الجنس، قد تشعرين بالتالي: العزلة والغربة عنه، الاكتئاب والغضب والإهانة والذل، وقد تحتاجين للعلاج أنتِ أيضًا.

ولو كنت مدمنًا للجنس قد يحدث التالي:
أن تنخرط في أنشطة جنسية أو عاطفية مع آخرين لا تعرفهم جيدًا، وهذا لأن أغلب المصابين بهذا الإدمان يخشون من تركهم وحيدين، وقد تستمر في علاقات عاطفية مؤذية أو مسيئة لكَ، أو قد تقفز من علاقة لأخرى. وعندما تكون وحدك تشعر بالخواء وأنك غير مكتمل، إذ ينقصك شيء ما مهم. وقد تميل إلى جنسنة المشاعر، أي تحويلها إلى مشاعر جنسية، مثل الإحساس بالذنب أو الوحدة أو الخوف.
غياب الحدود في العلاقات الإنسانية، أي أن يعتدي على حريتك أو ممتلكاتك أو جسمك مَن ترتبط به، أو أن يؤذيك بأي شكل كان، دون أن تمتلك القدرة للدفاع عن نفسك.

6- الأعراض الأخرى لإدمان الجنس
- ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا.
- الحمل غير المرغوب فيه.
- الانزواء الاجتماعي، مثل اضطراب العلاقات الشخصية وتجنب المناسبات العائلية حتى المهم منها.
- قلة التركيز والإنتاج في العمل أو الدراسة.
- اضطراب الأداء الجنسي.
- الشعور القوي بكل من:
الخجل والعار، عدم الكفاءة، قلة القيمة، انخفاض تقدير الذات، الاضطراب العاطفي.

قد يؤدي كل هذا إلى الإصابة بأحد الاضطرابات النفسية المصاحبة لإدمان الجنس والمتداخلة معه، مثل:
القلق "Anxiety"، الاكتئاب، إدمان المخدرات، الاندفاعية العاطفية وإساءة التحكم في العواطف، الإصابة بالوسواس القهري أو بعض أعراضه.
من المهم معرفة أن معالجة المشكلات المصاحبة لهذا الإدمان، مثل الاكتئاب أو القلق الاجتماعي، من الممكن أن يسهّل من معالجة الإدمان نفسه.

7- ما أسباب إدمان الجنس؟
الجينات: قد يكون لديك استعداد وراثي للإصابة بأي خلل عاطفي أو سلوك قهري يسعى دائمًا للإشباع العاطفي.

الهرمونات: عندما تزيد الهرمونات الجنسية مثل التستستيرون أو الإستروجين عن حدها المعتاد كثيرًا، يمكن أن يزيد الشَبق داخل الإنسان. فلو لاحظت على نفسك سلوكًا قهريًا وتعاني من زيادة معدلات الهرمونات الجنسية، من المحتمل أن تنخرط بإفراط في أنشطة جنسية.

المؤثرات البيئية: إن بيئة الطفولة المبكرة، مثل التعرض للحوادث العنيفة كالتحرش الجنسي أو مشاهدة محتوى إباحي يمكن أن يساهم في تكوين عوامل تؤدي إلى الإدمان الجنسي.

الصحة النفسية: قد يعاني المصابون ببعض الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق وبعض اضطرابات الشخصية، وضعف التحكم في ردود الفِعل الاندفاعية والإصابة بالقلق الوظيفي، من الاتجاه نحو إدمان السلوك الجنسي. بل إن بعض حالات فرط الاستثارة العصبية، حين يصعب السيطرة عليها تتجه للسلوك الجنسي المفرط.
التعرض للرفض في العلاقات العاطفية وفي الدوائر الاجتماعية القريبة، قد يؤدي إلى الاتجاه لأساليب غير صحية لإشباع الرغبات الجنسية.

الانعزال الاجتماعي: لا يؤدي الانعزال الاجتماعي إلى زيادة احتمالية سعي المنعزل لإشباع حاجاته الجنسية بطرق غير صحيحة فقط، بل يزيد أيضًا من احتمالية الإصابة بمشكلات أخرى مثل الأمراض النفسية والجسمانية التي تزيد من الانخراط في سلوكيات هذا الإدمان.

أثر المقربين: إن مشاهدة الآخرين يؤدون سلوكًا ما، أو "المحاكاة"، أحد أساليب تعلم شيء جديد، خصوصًا عندما تحب ذلك الشخص أو توافق على أفكاره. لذلك، لو كان لديك صديق أو أكثر منخرط في أنشطة جنسية مفرطة أو في مشاهدة المواد الإباحية (البورن) بكثرة، يمكن أن يؤثر على تفكيرك بطريقة قوية للغاية.

8- هل يمكن علاج إدمان الجنس؟
نعم، من الممكن علاجه. تستطيع بالتحدث مع طبيب أو معالج نفسي أن تعالج بعض العوامل الداخلية التي تقود إلى إدمانك للجنس أو للمواد الإباحية، وأن تتعلم كيفية التأقلم مع أفكارك ومشاعرك وتصرفاتك بطرق صحية.

بعض خيارات العلاج قد تشمل:
العلاج الفردي: في جلسات تمتد بين 30-60 دقيقة مع مختص نفسي، للتركيز على السلوكيات الجنسية القهرية وأي اضطرابات نفسية أخرى تتزامن معها.

العلاج المعرفي السلوكي: يركّز على فكرة أن سلوكياتنا ومشاعرنا وأفكارنا مترابطة مع بعضها جيدًا. يعني، هناك فكرة في رؤوسنا "أنا أحتاج للجنس بكثرة" تولّد شعورًا "أشعر بميل شديد نحو مشاهدة مقطع بورن أو ممارسة الجنس"، والذي بدوره يقودك للسلوك "المشاهدة أو الممارسة". ويعمل هذا العلاج على تغيير الأفكار السلبية لأخرى إيجابية، تدفعك لأن تفكر وتتحدث إلى نفسك بطريقة أفضل.

العلاج النفسي الديناميكي: مبني على الفرضية القائلة بأن الذكريات والصراعات المخزنة في العقل اللا واعي تؤثران على سلوكياتنا، لذلك فإن هذا العلاج يخاطب تلك المؤثرات الناشئة من الطفولة، والتي تؤثر على طرق التفكير الحالية التي تقود الشخص للإدمان.

العلاج السلوكي الجدلي: يتكون من أربعة عناصر: الانخراط في مجموعة للتدريب على اكتساب المهارات اللازمة للشفاء، والعلاج الفردي والتدريب السلوكي الجدلي، وتلقي المساعدة من فريق الاستشارة. وكل هذه العناصر مصممة للتدريب على 4 مهارات: اليقظة (أي الانتباه لهنا والآن)، والتواؤم مع الاضطراب العاطفي، وتعليم كيفية إنشاء علاقات اجتماعية ناجحة والمحافظة عليها، والتحكم في المشاعر.

العلاج الجماعي: من المفترض أن يقود حلقاته معالجون مؤهلون، وهو مخصص للتغلب على المشاعر والسلوكيات السلبية والمؤذية وتبنّي بدلاً منها أخرى إيجابية وأقل ضررًا وأكثر اجتماعية.

الاستشارات الزوجية: يمكنها أن تفيد مدمني الجنس وزوجاتهم/ أزواجهن، لأنها ستساعدهم على تحسين مهارات التواصل وتعزيز الثقة وتحسين الأداء الجنسي بينهما.

خطوات التعافي الـ12: هناك الكثير من المعالجين ومراكز العلاج تطبق برنامج الخطوات الاثني عشر الذي يركز على التعرف على مناطق الضعف لدى الشخص، ومدى رغبته في أن يعيش حياة خالية من الإدمان.

أوجه التشابه بين إدمان الجنس وإدمان المخدرات/ الكيميا:
1- التأثير على المخ:
يؤثر كلاهما على المخ، بحيث يؤثران على نظام المكافأة فيه عبر التحكم في أحد الموصلات العصبية الذي يُسمّى الدوبامين. فعندما يعمل شخص ما على إشباع حاجة لديه أو رغبة مهمة للبقاء حيًا أو للإنجاب، فإن المخ يطلق الدوبامين الذي يجعل الشخص يشعر بالمتعة أو النشوة. وهذا يزيد من الرغبة في الانخراط في سلوكيات مماثلة لكي يحصل على المزيد من الشعور بالمتعة.

- عندما يتعاطى الإنسان عقارًا مخدرًا يحفز إطلاق الدوبامين في المخ، يتسبب في أن الشخص يصبح معتمدًا عليه بزيادة لكي ينطلق الدوبامين.
- يعمل إدمان الجنس بنفس الكيفية، فكل مرة ينخرط المدمن في تلك السلوكيات، فإنه يشعر بفورة من المتعة تخلق محفزًا قويًا للانخراط في ذلك النشاط مجددًا.
- وهذا يخلق دائرة مفرغة، ويجد الشخص أنه مدفوع برغبته للحصول على المكافأة/ المتعة/ النشوة، وأن تلك الرغبة تتحكم فيه بلا قدرة منه للسيطرة عليها.
وهذا ما يجعل الإقلاع شديد الصعوبة على المدمنين، وهو السبب الذي يحتّم عليهم السعي للحصول على مساعدة معالجين متخصصين.

2- الاعتمادية:
يؤمن العديد من مدمني الجنس بأنهم متحكمون في سلوكياتهم، لكن من غير العلاج الملائم يتجهون أكثر نحو الاعتمادية النفسية. من المهم معرفة أعراض تلك الاعتمادية حتى تسعى لطلب المساعدة على الفور، ومنها: 
فقدان القدرة على التحكم فيما يخص الأنشطة الجنسية.
نشوء أعراض انسحابية.
الانشغال الدائم بالرغبة في السلوك الجنسي.
تجنب المسؤوليات والأنشطة التي كنت تستمتع بها في السابق، في مقابل تفضيل الأنشطة الجنسية فقط.
وربما أكثر علامة مهمة لمعرفة أن هذا الشخص معتمد على الجنس نفسيًا ليشعر بأنه أفضل، استمراره في السلوكيات الجنسية على الرغم من العواقب السلبية التي يجلبها عليه ذلك السلوك، مثل:
الفشل في الزواج، التغيب عن العمل أو ضعف الأداء فيه، تخريب الصداقات، الإصابة بمتاعب صحية، الإصابة بمشكلات مالية.

3- الانسحاب:
يعد الانسحاب ملمحًا أساسيًا لإدمان المواد الكيماوية، وقد أشارت التقارير أن مَن يعانون من إدمان الجنس يشعرون بأعراض انسحابية بعد التقليل من أنشطتهم الإدمانية. ونذكر بعض (وليس كل) الأعراض الانسحابية:
الهياج العصبي، الشوق الحارق للممارسة، الاكتئاب، التململ والعصبية، القلق، الشعور بالذنب أو العار.

من المهم ملاحظة أن ليس كل مدمني الجنس يعانون من الأعراض نفسها، لأنها تختلف من شخص لآخر.
_________________
* نُشر في نون بتاريخ
21-8-2017
** المصادر