Tuesday, October 3, 2017

ويحدثونك عن النفس

مش سهل نتكلم عن النفس، صحيح في مواقع كتيرة بتحاول تشرح يعني إيه "نفس"، وإيه علاقتها بالروح، بس برضه الموضوع مش بسيط.. أيام اليونان، زيوس سيد الآلهة سمّي "Psyche  سايكي"  باسم ربة الروح، بس النفس مختلفة عن الروح، لأن النفس بتضم الروح ومعاها برضه العقل الواعي واللاواعي. 

الكلام اللي بيدور جوانا بيتوجه ناحية "نفسنا"، وبيغرق في اللاوعي، وبيطلع للعقل الواعي في شكل دوافع لتصرفات معينة، عشان كده بيتقال لنا كتير خدوا بالكم من الكلام الداخلي، لأنه مش كله إيجابي، وممكن جدًا إننا ندمّر ذواتنا بالطريقة دي.

النفس، اللي بتتأثر بالتصرفات الواعية واللاواعية، بيجرى لها نوع من الخلل أو الأذى، ليه بنفكّر إننا نستاهل الأذية؟ لأن ده نمط معين من التفكير جالنا من وإحنا صغيرين، لما أهلنا قالوا لنا إننا ما نستاهلش أي حاجة حلوة، وإننا وحشين جملة وتفصيلاً، وإننا مش هننفع في حاجة، افتكر لما ماما كانت بتذاكر لنا كانت بتشخط فينا، وبتقول لنا هتطلعوا مش نافعين وتدخلوا جامعة "كذا" بدل من جامعات "كيت" اللي هي المفروض بتاعة القمة.. كبرنا وجت لنا الجامعة دي غصب عنا في التنسيق، فدخلناها بقلوب مكسورة، بس عالجنا الكسر بالمذاكرة والتحصيل الجيد، وتغلبنا على الصوت الزاعق الصادر من طفولتنا واللي بيقلل من جهودنا.

مش كل الناس بتعالج "نفسها" كده، فيه ناس مبتعرفش، بس بيتجاهلوا الأمر، سلوكيات محسوسة زي قرض الضوافر والحركة العصبية والترفيس اللاإرادي أثناء النوم، وشدّ الشعر أثناء المذاكرة مثلًا أو القراءة، والاستيقاظ صباحًا بمزاج متعكر، كل ده وأكتر بيدلّ على التوتر والاكتئاب، طب ليه؟

من أسباب الإصابة بالاعتلال النفسي الجينات، يعني تلاقي اضطرابات القلق مثلًا، بتتنقل في الأسرة من الجدود أو الأب والأم، في برضه الضغوط الواقعة على الفرد، زي ضغط الشغل أو الانتقال من مدينة لأخرى أو إنهاء علاقة إنسانية كانت تعني الكثير لصاحبها، من الأسباب أيضًا إدمان الكحوليات والمخدرات، أو يكون فيه استعداد داخلي للتوتر بيتطور مع الوقت ويزداد عمقًا مع الضغوط، كل ده وأكتر بيتسبب في حدوث المرض النفسي، واللي لازم نواجهه ونعترف به ونعالجه.

ليه مش بنعالج الأمراض النفسية؟ لعدة أساطير متحكمة في حياتنا، أغلبها خطأ، زي:

.أنا مريض نفسي؟ استحالة! أنا قوي جدًا، المرض ده للضعفاء*

!مش معنى إني انضربت كام قلم وأنا صغير إني أروح لدكتور نفساني، عيب عليك يا راجل*

.هو شوية قُرب من ربنا وكل شيء هيتحلّ، المرض النفسي أصلًا مش مذكور في الأديان السماوية*

.الدكاترة بيستغلوا المرضى، وبينتهي بهم الحال يا إما يتجوزوهم يا إما يضيعوهم في متاهة من الأدوية اللي مش نافعة*

أصحابي/ شغلي/ أهلي يقولوا عليا إيه؟*

وهو الدكتور هيعمل لي إيه يعني؟*

وأسباب كتير زي دي، تبدو لصاحبها كبيرة بس هي واهية ومش صح في أغلب الحالات.

بس نيجي للرد على التساؤل الأخير: الدكتور هيعمل ايه؟ بص يا سيدي.. ناخد مثال: في اضطراب الاكتئاب، فيه "ناقل عصبي" اسمه السيروتونين، ده وظيفته إنه يساعد على إبقاء الحالة المزاجية معتدلة ولطيفة، الناقل ده بيقلّ في الدماغ، عشان كده المكتئب بيحس بالحزن بدون سبب ظاهري، وإن الحياة ملهاش لازمة، هنا الدكتور بيعالجه إنه يديله "دوا" يرفع مستوى السيرتونين في المخ، وكمان بيركز على "العلاج بالكلام" عشان يعرف أسباب انخفاض مستوى السيروتونين إيه، بعد عدة جلسات، المفروض إن العلاج بينجح، وده بيساعد الشخص إنه يبقى أكثر سعادة، وبالتالي بينعكس ده على شغله وعلاقاته بنفسه وبأهله وأصحابه.

المرض النفسي مش عيب ولا وصمة عار ولا علامة على الضعف والجنون، المرض النفسي دليل على إن دماغك عايزاك تشتغل عليها أكتر، وبتشد انتباهك إن فيه حاجة غلط، والحاجة دي بتعكّر عليك الاستمتاع بمباهج الحياة حتى ولو كانت قليلة، روح لدكتور نفساني لو مش عارف تتعامل مع ابنك/ مراتك/ شغلك الجديد، وخليه صاحبك، ومتجيش على نفسك لحساب الآخرين، لازم يكون فيه توازن في أي علاقة إنسانية إنت فيها، ولو محصلش، غالبًا هتحتاج زيارة للدكتور، وهو يقول لك ممكن تتغلب على الأوضاع الضاغطة إزاي، وإزاي ممكن تاخد بالك من نفسك.
----------------------------------------------------------------------------

نُشرت بموقع نون 
بتاريخ 1-11-201

No comments: