Friday, October 6, 2017

عن إدمان الجنس.. هل هذا طبيعي؟

ما حدود الطبيعي أو غير الطبيعي في ممارسة العلاقة الحميمة (الجنس)؟ هل مشاهدة أفلام البورن باستمرار أمر عادي أو مطلوب؟ هل يوجد علاقة بين التحرش وإدمان الجنس؟ هل يجب تحقير من يفكر طيلة الوقت في الجنس وملحقاته؟
نقدم لكِ عزيزتي القارئة ولكَ عزيزي القارئ إجابات على هذه الأسئلة وأكثر، نرجو أن تكون وافية.

1- ما تعريف إدمان الجنس؟
يمكن وصفه بأنه اضطراب نفسي يتميز بارتكاب المصاب به لأفعال وأفكار جنسية، يزيد تأثيرها السلبي عليه وعلى أسرته كلما تطور الاضطراب وتُرك بلا علاج. وعادة ما يتجه المدمن بمرور الوقت لتكثيف السلوكيات الإدمانية، للحصول على نفس مستوى المتعة السابق، لأن سلوكياته الحالية لم تعد تكفيه.

ويوصف المدمن بأنه مهووس بأفكار جنسية، تؤثر سلبًا على عمله أو دراسته، وعلى أن يحظى بعلاقات اجتماعية صحية، وعلى أنشطته اليومية. وقد يعاني المدمن من ارتفاع مستوى الشَبَق (الشهوانية) لديه، حيث تتحكم في حياته ممارسة الجنس والأفكار المتعلقة بها، إلى حدّ أن أنشطته وتفاعلاته مع البشر تتأثران جديًا بهذا الأمر. ويؤمن عدد من الباحثين بأن إدمان الجنس أحد أشكال اضطراب الوسواس القهري.
ومن الشائع أن المريض بإدمان الجنس يحاول إضفاء صفة العقلانية وتبرير سلوكه وأنماط تفكيره، وعادة ما يرفض الاعتراف بأن هناك مشكلة في الأساس.

2- كيف يبدأ الأمر ويتطور؟
ربما يتخذ في البداية صبغة الانخراط في أنشطة جنسية صحية وممتعة، وتنتهي به الحال للتحول إلى هوَس لا يمكن السيطرة عليه. ولا يدرك المصاب الفرق بين الممارسات الصحية والكثير من التخيلات الجنسية والأفعال التي يقوم بها. وقد أدرجت WHO (منظمة الصحة العالمية) الشَبَق المفرط كتشخيص لإدمان الجنس.

3- هل لإدمان الجنس علاقة بزيادة معدلات التحرش في الشارع؟
ليس بالضرورة أن كل مدمني الجنس متحرشون، لكن أغلب المتحرشين بالأطفال مدمنو جنس، وكثير منهم لا يمكن شفاؤهم.
لكن هناك نقطة مهمة.. يعتقد علماء الاجتماع أن التحرش أو الاعتداء الجنسي لا ينبعان غالبًا من رغبة في الإشباع الجنسي على قدر ما ينبع من رغبة كاسحة لشخص مضطرب في إثبات قوته وسيطرته، أو للانتقام ممن يتحرش بهن/ بهم، أو أن يعبّر بشكل منحرف عن غضبه العارم من المجمتع مثلاً.

4- ما أعراض إدمان الجنس؟
يأتي هذا الإدمان في أشكال كثيرة، ليست مقتصرة بالضرورة على الأوجه التالية:
- الممارسة القهرية للاستمناء (العادة السرية)، والتي لا يمكن التحكم فيها أو إيقافها.
- الانخراط في علاقات متعددة في نفس الوقت.
- ممارسة الجنس مع شخص لا يعرفه المدمن.
- تعدد الشركاء الجنسيين.
- إدمان المواد الإباحية، مثل أفلام البورن أو المجلات ذات المحتوى الإباحي، باستمرار وبلا توقف.
- الممارسة الجنسية غير الآمنة.
- إدمان الجنس عبر الإنترنت.
- الاتجاه للعمل في الدعارة.
- المواعدة عن طريق الإعلانات الشخصية، لكن بشكل هوسي تمامًا.
- التحرش الجنسي أو الاعتداء وهتك الأعراض أو الاغتصاب.
- عدم الشعور بالرضا في أثناء الممارسة الجنسية، عاطفيًا وجسمانيًا.
- الشعور بالخجل والعار والذنب.
- الشعور بفقدان السيطرة على التحكم في السلوكيات الجنسية، على الرغم من الوعي بالمخاطر الصحية والاجتماعية والمادية.
- فقدان السيطرة على الوقت والمجهود والمدى الذي أراد المدمن الوصول إليه في البداية أثناء النشاط الجنسي، مما يؤدي إلى حدوث أذى عميق له.
- الشعور بالاضطراب والحزن والقلق والعصبية والعنف، إذا لم يستطع ممارسة أي نشاط جنسي في الحال.
- الزيارات المتكررة لأماكن الدعارة.
- اتباع سلوك سادي أو مازوخي.
- التلصص على الآخرين وهم يبدلون ثيابهم أو يمارسون أنشطة جنسية.

5- ما الأعراض الوجدانية للإصابة بإدمان الجنس؟
لو كان زوجك مدمنًا للأفلام الإباحية أو الجنس، قد تشعرين بالتالي: العزلة والغربة عنه، الاكتئاب والغضب والإهانة والذل، وقد تحتاجين للعلاج أنتِ أيضًا.

ولو كنت مدمنًا للجنس قد يحدث التالي:
أن تنخرط في أنشطة جنسية أو عاطفية مع آخرين لا تعرفهم جيدًا، وهذا لأن أغلب المصابين بهذا الإدمان يخشون من تركهم وحيدين، وقد تستمر في علاقات عاطفية مؤذية أو مسيئة لكَ، أو قد تقفز من علاقة لأخرى. وعندما تكون وحدك تشعر بالخواء وأنك غير مكتمل، إذ ينقصك شيء ما مهم. وقد تميل إلى جنسنة المشاعر، أي تحويلها إلى مشاعر جنسية، مثل الإحساس بالذنب أو الوحدة أو الخوف.
غياب الحدود في العلاقات الإنسانية، أي أن يعتدي على حريتك أو ممتلكاتك أو جسمك مَن ترتبط به، أو أن يؤذيك بأي شكل كان، دون أن تمتلك القدرة للدفاع عن نفسك.

6- الأعراض الأخرى لإدمان الجنس
- ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا.
- الحمل غير المرغوب فيه.
- الانزواء الاجتماعي، مثل اضطراب العلاقات الشخصية وتجنب المناسبات العائلية حتى المهم منها.
- قلة التركيز والإنتاج في العمل أو الدراسة.
- اضطراب الأداء الجنسي.
- الشعور القوي بكل من:
الخجل والعار، عدم الكفاءة، قلة القيمة، انخفاض تقدير الذات، الاضطراب العاطفي.

قد يؤدي كل هذا إلى الإصابة بأحد الاضطرابات النفسية المصاحبة لإدمان الجنس والمتداخلة معه، مثل:
القلق "Anxiety"، الاكتئاب، إدمان المخدرات، الاندفاعية العاطفية وإساءة التحكم في العواطف، الإصابة بالوسواس القهري أو بعض أعراضه.
من المهم معرفة أن معالجة المشكلات المصاحبة لهذا الإدمان، مثل الاكتئاب أو القلق الاجتماعي، من الممكن أن يسهّل من معالجة الإدمان نفسه.

7- ما أسباب إدمان الجنس؟
الجينات: قد يكون لديك استعداد وراثي للإصابة بأي خلل عاطفي أو سلوك قهري يسعى دائمًا للإشباع العاطفي.

الهرمونات: عندما تزيد الهرمونات الجنسية مثل التستستيرون أو الإستروجين عن حدها المعتاد كثيرًا، يمكن أن يزيد الشَبق داخل الإنسان. فلو لاحظت على نفسك سلوكًا قهريًا وتعاني من زيادة معدلات الهرمونات الجنسية، من المحتمل أن تنخرط بإفراط في أنشطة جنسية.

المؤثرات البيئية: إن بيئة الطفولة المبكرة، مثل التعرض للحوادث العنيفة كالتحرش الجنسي أو مشاهدة محتوى إباحي يمكن أن يساهم في تكوين عوامل تؤدي إلى الإدمان الجنسي.

الصحة النفسية: قد يعاني المصابون ببعض الاضطرابات النفسية، مثل الاكتئاب والقلق وبعض اضطرابات الشخصية، وضعف التحكم في ردود الفِعل الاندفاعية والإصابة بالقلق الوظيفي، من الاتجاه نحو إدمان السلوك الجنسي. بل إن بعض حالات فرط الاستثارة العصبية، حين يصعب السيطرة عليها تتجه للسلوك الجنسي المفرط.
التعرض للرفض في العلاقات العاطفية وفي الدوائر الاجتماعية القريبة، قد يؤدي إلى الاتجاه لأساليب غير صحية لإشباع الرغبات الجنسية.

الانعزال الاجتماعي: لا يؤدي الانعزال الاجتماعي إلى زيادة احتمالية سعي المنعزل لإشباع حاجاته الجنسية بطرق غير صحيحة فقط، بل يزيد أيضًا من احتمالية الإصابة بمشكلات أخرى مثل الأمراض النفسية والجسمانية التي تزيد من الانخراط في سلوكيات هذا الإدمان.

أثر المقربين: إن مشاهدة الآخرين يؤدون سلوكًا ما، أو "المحاكاة"، أحد أساليب تعلم شيء جديد، خصوصًا عندما تحب ذلك الشخص أو توافق على أفكاره. لذلك، لو كان لديك صديق أو أكثر منخرط في أنشطة جنسية مفرطة أو في مشاهدة المواد الإباحية (البورن) بكثرة، يمكن أن يؤثر على تفكيرك بطريقة قوية للغاية.

8- هل يمكن علاج إدمان الجنس؟
نعم، من الممكن علاجه. تستطيع بالتحدث مع طبيب أو معالج نفسي أن تعالج بعض العوامل الداخلية التي تقود إلى إدمانك للجنس أو للمواد الإباحية، وأن تتعلم كيفية التأقلم مع أفكارك ومشاعرك وتصرفاتك بطرق صحية.

بعض خيارات العلاج قد تشمل:
العلاج الفردي: في جلسات تمتد بين 30-60 دقيقة مع مختص نفسي، للتركيز على السلوكيات الجنسية القهرية وأي اضطرابات نفسية أخرى تتزامن معها.

العلاج المعرفي السلوكي: يركّز على فكرة أن سلوكياتنا ومشاعرنا وأفكارنا مترابطة مع بعضها جيدًا. يعني، هناك فكرة في رؤوسنا "أنا أحتاج للجنس بكثرة" تولّد شعورًا "أشعر بميل شديد نحو مشاهدة مقطع بورن أو ممارسة الجنس"، والذي بدوره يقودك للسلوك "المشاهدة أو الممارسة". ويعمل هذا العلاج على تغيير الأفكار السلبية لأخرى إيجابية، تدفعك لأن تفكر وتتحدث إلى نفسك بطريقة أفضل.

العلاج النفسي الديناميكي: مبني على الفرضية القائلة بأن الذكريات والصراعات المخزنة في العقل اللا واعي تؤثران على سلوكياتنا، لذلك فإن هذا العلاج يخاطب تلك المؤثرات الناشئة من الطفولة، والتي تؤثر على طرق التفكير الحالية التي تقود الشخص للإدمان.

العلاج السلوكي الجدلي: يتكون من أربعة عناصر: الانخراط في مجموعة للتدريب على اكتساب المهارات اللازمة للشفاء، والعلاج الفردي والتدريب السلوكي الجدلي، وتلقي المساعدة من فريق الاستشارة. وكل هذه العناصر مصممة للتدريب على 4 مهارات: اليقظة (أي الانتباه لهنا والآن)، والتواؤم مع الاضطراب العاطفي، وتعليم كيفية إنشاء علاقات اجتماعية ناجحة والمحافظة عليها، والتحكم في المشاعر.

العلاج الجماعي: من المفترض أن يقود حلقاته معالجون مؤهلون، وهو مخصص للتغلب على المشاعر والسلوكيات السلبية والمؤذية وتبنّي بدلاً منها أخرى إيجابية وأقل ضررًا وأكثر اجتماعية.

الاستشارات الزوجية: يمكنها أن تفيد مدمني الجنس وزوجاتهم/ أزواجهن، لأنها ستساعدهم على تحسين مهارات التواصل وتعزيز الثقة وتحسين الأداء الجنسي بينهما.

خطوات التعافي الـ12: هناك الكثير من المعالجين ومراكز العلاج تطبق برنامج الخطوات الاثني عشر الذي يركز على التعرف على مناطق الضعف لدى الشخص، ومدى رغبته في أن يعيش حياة خالية من الإدمان.

أوجه التشابه بين إدمان الجنس وإدمان المخدرات/ الكيميا:
1- التأثير على المخ:
يؤثر كلاهما على المخ، بحيث يؤثران على نظام المكافأة فيه عبر التحكم في أحد الموصلات العصبية الذي يُسمّى الدوبامين. فعندما يعمل شخص ما على إشباع حاجة لديه أو رغبة مهمة للبقاء حيًا أو للإنجاب، فإن المخ يطلق الدوبامين الذي يجعل الشخص يشعر بالمتعة أو النشوة. وهذا يزيد من الرغبة في الانخراط في سلوكيات مماثلة لكي يحصل على المزيد من الشعور بالمتعة.

- عندما يتعاطى الإنسان عقارًا مخدرًا يحفز إطلاق الدوبامين في المخ، يتسبب في أن الشخص يصبح معتمدًا عليه بزيادة لكي ينطلق الدوبامين.
- يعمل إدمان الجنس بنفس الكيفية، فكل مرة ينخرط المدمن في تلك السلوكيات، فإنه يشعر بفورة من المتعة تخلق محفزًا قويًا للانخراط في ذلك النشاط مجددًا.
- وهذا يخلق دائرة مفرغة، ويجد الشخص أنه مدفوع برغبته للحصول على المكافأة/ المتعة/ النشوة، وأن تلك الرغبة تتحكم فيه بلا قدرة منه للسيطرة عليها.
وهذا ما يجعل الإقلاع شديد الصعوبة على المدمنين، وهو السبب الذي يحتّم عليهم السعي للحصول على مساعدة معالجين متخصصين.

2- الاعتمادية:
يؤمن العديد من مدمني الجنس بأنهم متحكمون في سلوكياتهم، لكن من غير العلاج الملائم يتجهون أكثر نحو الاعتمادية النفسية. من المهم معرفة أعراض تلك الاعتمادية حتى تسعى لطلب المساعدة على الفور، ومنها: 
فقدان القدرة على التحكم فيما يخص الأنشطة الجنسية.
نشوء أعراض انسحابية.
الانشغال الدائم بالرغبة في السلوك الجنسي.
تجنب المسؤوليات والأنشطة التي كنت تستمتع بها في السابق، في مقابل تفضيل الأنشطة الجنسية فقط.
وربما أكثر علامة مهمة لمعرفة أن هذا الشخص معتمد على الجنس نفسيًا ليشعر بأنه أفضل، استمراره في السلوكيات الجنسية على الرغم من العواقب السلبية التي يجلبها عليه ذلك السلوك، مثل:
الفشل في الزواج، التغيب عن العمل أو ضعف الأداء فيه، تخريب الصداقات، الإصابة بمتاعب صحية، الإصابة بمشكلات مالية.

3- الانسحاب:
يعد الانسحاب ملمحًا أساسيًا لإدمان المواد الكيماوية، وقد أشارت التقارير أن مَن يعانون من إدمان الجنس يشعرون بأعراض انسحابية بعد التقليل من أنشطتهم الإدمانية. ونذكر بعض (وليس كل) الأعراض الانسحابية:
الهياج العصبي، الشوق الحارق للممارسة، الاكتئاب، التململ والعصبية، القلق، الشعور بالذنب أو العار.

من المهم ملاحظة أن ليس كل مدمني الجنس يعانون من الأعراض نفسها، لأنها تختلف من شخص لآخر.
_________________
* نُشر في نون بتاريخ
21-8-2017
** المصادر

No comments: