Friday, October 6, 2017

وقفة سكون لأجل مشاهدة "فتيات آل جلمور"


مؤخرًا، ابتديت شغل جديد في مجال كنت اشتغلت فيه قبل كده، لكن مش هو الخط الرئيسي لشغلي اللي اتعودت أعمله في الفترة الأخيرة، فكان تحدي جديد وكبير أوي بالنسبة لي.

في أول أسبوع، روّحت من الشغل (البعيد جدًا عن البيت) معيطة، وسجّلت رسالة صوتية لروح د. رضوى عاشور الله يرحمها، وقلتلها "كنتي إزاي مستحملة كل ده؟"، فكانت الإجابة القاسية اللي طلعت من عقلي الساخر والمتهكم "ما هي مستحملتش، وراحت عند ربنا، في مكان أفضل من الأرض الدنيا دي"، وبعد شوية وقت أدركت إن ده مش صحيح، بدليل إنها كانت رئيسة قسم ومشرفة على رسايل ماجستير ودكتوراه وعضو في مجلس الجامعة ونشطة أدبيًا جدًا، ومن أهم أديبات القرن العشرين، ده معناه إنها استحملت، صح؟ وأبدعت كمان. ونمت وأنا بطمن نفسي إن "هذا أيضًا سيمرّ".

كان بقالي فترة قبل ما أشتغل قاعدة في البيت. مكنتش مستريحة، ولا كنت مقضياها تمديدة على السرير بقرأ في الروايات المفضلة عندي أو المكدسة بقالها سنين من الشراء المحموم في معرض الكتاب شِتاء كل سنة، بالعكس، كنت مقضياها على المكتب على كرسي غير مريح بدوّر على شغل، بحاول مع كذا جهة، بحاول مع أصحابي، وكمان بحارب مع الاكتئاب.

جه الشغل اليومي الثابت ده عشان ينتشلني من دوامة البحث ودوامة الإحباط المريعة اللي حاسة بيها، بس الشغل معاه تحديات جديدة، والتزام، وكل حاجة، وأنا كنت حاسة إن كده كتير، لحد ما جات الضربة الكبرى: فاكرة القعدة على كرسي غير مريح في البيت؟ أهي جابت نتيجة مهولة: ضغط الفقرات القطنية على بعضها وعلى الأعصاب، خلِّت عندي ألم رهيب في أسفل الضهر وفي رجلي.

مقدرتش أروح الشغل أول يومين بعد الأشعة ومراجعة الدكتور، عرضت عليهم الشغل من البيت (عشان أكون ممددة على السرير وحاطة اللاب على بطني)، ووافقوا مشكورين. الحقيقة فريق العمل في وظيفتي الجديدة داعمين جدًا وأنا ممتنة ليهم جدًا والله.

مع الرقدة على ضهري والشغل على بطني، جات فكرة البراح: طب ما ممكن أعمل حاجة جديدة؟
رجعت أتفرج على المسلسل المفضل عندي اللي كنت بحبه زمان، "فتيات آل جلمور". رجعت أحس بالشغف ناحية التعليم وإني أرجع صفوف الدراسة تاني، بس برة مصر مش جواها، رجعت أحس يعني إيه إن البنت الصغيرة تحس بحماسة كبيرة أوي ناحية إنها تنضم لجامعة مرموقة وصعب الالتحاق بيها، زي "هارفارد"، ويبقى ده حلمها من ابتدائي، ومامتها تسعى لتحقيقه ليها. حسيت بالحب اللي طالع من الأم لبنتها، والحب المغطّى بغلاف هش من القسوة أو اللا مبالاة اللي طالع من الجدة للأم، واللي علاقتهم رجعت تتصلح تاني بسبب الحفيدة والاشتراك في الاهتمام بمصلحتها وتعليمها.

حسيت بحاجات حلوة.. رجع "فنجان" النسكافيه يبقاله طعم، بعد ما كنت هاجراه ومتجهة كليًا للقهوة التركي. ولما خلص البن رجعت للنسكافيه، بس بقيت بظبط فيه كل يوم شكل: مرة بالرغوة الكثيفة، مرة باللبن كامل الدسم، مرة بطعم اللوز الحلو.. وكده يعني. بقى كل يوم مغامرة جديدة، بعد ما أتحامل على نفسي وأقوم من السرير بصعوبة وأتجه للمطبخ، وأستنى المية تغلي بينما أنا بعمل الرغوة الكثيفة للوش. انبسطت فعلاً بكل فنجان شربته في الفترة دي.

من يومين كان الألم شديد والمسكن الآمن على المعدة خلصان، مجاش في بالي فكرة المسكن الحُقن رغم إن الدكتور نصح بيه بشدة، بل -لظروف شعورية كتيرة- قعدت أعيط وأنا مدية وشي للحيطة على سريري: "ليه يا رب كل الألم ده؟" ونمت. صحيت بقى والإجابة في دماغي: عشان حبة الروقان دول. صحيح كنت بشتغل، ولما ساعات العمل الرسمية تخلص كنت بعمل لنفسي شاي بالفراولة، وأتفرج على المسلسل اللي بحبه جدًا، وبفكر كمان إني أعاود شغفي بالنجوم والسُدم والتكوينات الفلكية. فكرت كمان إن الهدنة دي مناسبة جدًا عشان أهتم بنفسي شوية زيادة، وبقيت بفتكر الكريم بتاع البشرة، ونويت بالمرتب الجديد أشتري كريم ريحته قرفة عشان قُرب موسم الكريسماس، وقعدت أفكر في أي الأكلات مناسبة للاحتفال بالشتا.

الألم مش كله سيئ، وده اللي بحاول أفكّر نفسي بيه. طبعًا بفتكره بعد ما موجة الألم تخلص، إنما في عزّ الموجة بنصح كل حد بحبه إنه يبعد عني، لأني بتحوّل لشخصية كريهة وبحدف أي حد بأي حاجة تحت إيدي.
الألم لو كان سيئ، بييجي بعده إحساس بالراحة، شرط إنه يخلص على خير، بدون ما يخسرنا علاقتنا بالناس وبنفسنا، وبربنا.
____________
* نُشر في نون بتاريخ
28-11-2016

No comments: