بقلم: سايمون بروشفيلد
ترجمة: رزان محمود
الإبداع ممتع، والمعاناة ليست كذلك.. لكن الألم لا يمكن تجنبه في هذه الحياة.
يواجه الناس المعاناة كل يوم على مستويات عدة، ويظهر هذا المقال كيفية التعامل مع الألم والمعاناة، لكون الإبداع متصلاً بهما اتصالاً وثيقًا.
إحدى أشهر اللوحات الأصلية التي تعبر عن المعاناة الإنسانية في الفن الحديث، هي لوحة "الصرخة" المعروضة أدناه.
"الصرخة" بريشة إدوارد مونك (1893). المعرض الوطني، أوسلو، النرويج
كان إدوارد مونك رائد المدرسة الطليعية في الفن، وكان توجهه في الحياة مختلفًا. لكن عندما كبر مونك في السن، شعر بأن الجنون في طريقه للسيطرة على عقله ببطء. شعر بأن معاناته الشخصية اتجهت نحو الجنون، حيث عانى من الكوابيس المخيفة المؤلمة، ومن الرؤى الشريرة الرهيبة، الأمر الذي أثّر بشدة على لوحاته الأصلية. كما أصيب بالانهيار العصبي عندما أصبح القلق والهلوسات كثيفة بشكل ساحق.
النقطة الأولى: إن العملية الإبداعية المتعلقة بإنتاج الفن لها القوة لعلاج المشكلات النفسية والعاطفية.
للإبداع القدرة على تحويل الليالي المظلمة والمؤلمة إلى نهارات جميلة مشرقة، مليئة بالإلهام المبتكر. لكن الأمر يستغرق وقتًا. يتعلق الإبداع بالصبر والمثابرة والشجاعة للوقوف في وجه الألم، لمواجهة القضايا الكامنة ثم التحرّك نحو فهم أعمق للنفس. عندما يواجه شخص المعاناة ويتعامل مع الألم الشخصي بنجاح، فإن ثقته بنفسه ومستوى إبداعه يزدهران، مثلما حدث مع إدوارد مونك، فبعد العلاج النفسي، بدأت معاناته النفسية في الخفوت، واتخذت لوحاته الأصلية منحى إيجابيًا.
غالبًا ما يعتبر الإبداع النقلة أو الرابط بين اتجاهين متضادين في الحياة. يُظهر هذا المقال كيفية تحويل الألم الشخصي إلى إلهام مبدع، مثلما حدث مع عمالقة الفن الحديث، من أمثال إدوارد مونك وفينسنت فان جوخ وبول جوجان.
النقطة الثانية: تساعد المعاناة المبدعين على تنمية الحكمة والقوة والمثابرة.
قال الحكيم الصيني المشهور كونفوشيوس ذات مرة، إن هناك ثلاث طرق رئيسية يتعلم بها الناس الحكمة:
1- بالانعكاس: وهذا أنبلها.
2- بالمحاكاة: وهذا أسهلها.
3- بالخبرة: وهذا أكثرها مرارة.
لدى كل الأديان الرئيسية الكثير مما تقوله تعليقًا على المعاناة البشرية. وتستنتج معظمها أن المعاناة من حقائق الحياة التي لا يمكن الهروب منها. ومع ذلك، فلو تعاملنا معها تعاملاً صحيحًا فإن المكاسب عظيمة. وفي الواقع، يؤكد الإنجيل أن البشر مقدّرٌ لهم المعاناة. لكن هناك الجانب الإيجابي في هذا كله.
النقطة الثالثة: للحزن تأثير مرقِّق على نفوسنا.
"نهار جميل مشرق" بريشة سايمون بروشفيلد. (2002). (مُباعة للحيازة الشخصية).
النقطة الرابعة: بعد فترة من الكمون، يمكن أن ينتج عن المعاناة البشرية اندفاعات من الحرية والشغف للتعبير عن النفس تعبيرًا مبدعًا ومبتكرًا.
لكننا بحاجة إلى المعاناة بحكمة، لأنها ستتحول عندئذ إلى تجربة مقوية لنا، تساعدنا على المضيّ قُدُمًا بدلاً من الانغماس في الحزن والرثاء للنفس للأبد. وقد عانى الكثير من الفنانين العِظام نوبات محبطة من الاكتئاب والسوداوية، مثل فنسنت فان جوخ. وأيضًا، فإن الفنان الفرنسي التأثيري بول جوجان (1848 – 1903) حاول في إحدى فترات حياته الانتحار نتيجة معاناته من نوبات شديدة من اليأس وفقدان الأمل.
النقطة الخامسة: حقيقة رائعة حول الروح المبدعة: يمكنها أن تزدهر برغم المصائب.
عادة ما يولد الإبداع من الألم الشخصي، ويمكنه أن يصبح شكلاً من أشكال التعبير عن الذات قويًا وثريًا بالمشاعر. إن عملية مقاومة المشكلات للتعبير عن المعاناة تعتبر باختصار تجربة علاجية قيّمة للغاية بالنسبة للفنانين ومَن يتّسمون بالإبداع. إن العديد من الأعمال الرائدة في تاريخ الفن أتت من تجربة الفنان مع المعاناة. يدور الإبداع حول التواصل مع الجمهور الذي يمكنه بسهولة التعرّف على فكرة معينة وربطها بنفسه، والفكرة في هذه الحالة المعاناة. عانى مايكل آنجلو (1475-1564) أيضًا من الاكتئاب ومن المرض النفسي الخطير. وفي حقيقة الأمر، فإن آثار اضطرابه النفسي واضحة في العديد من لوحاته ورسوماته الأصلية.
النقطة السادسة: مساعدة الآخرين الذين قد يعانون أكثر منك، يجلب نتائج شفائية معجزة ويعيد إحياء الروح.
ذات مرة قال الفنان العظيم بول سيزان: "إن العمل الفني الذي لم ينبع من العواطف ليس فنًا".
خرج المحلل النفسي السويسري المشهور كارل يونج بنظرية حول الوجدان البشري الجمعي. ويقول إن الخطو نحو اللا وعي يضيف إلى ثراء المنتج الإبداعي للفنان. ولهذا، يفهم الناس قصص النماذج الأصلية فهمًا أسهل بكثير، لأنها منتشرة بين كل البشرية. وقد أُنشئ العديد من الأفلام الناجحة استنادًا إلى هذه الفرضية، لأنها تعزز قوة الرسالة المبدعة. يفهم أغلب الناس ولديهم خبرة حول المشاعر المؤلمة المرتبطة بالمعاناة الإنسانية.
النقطة الأخيرة: من الجيد أن المبدعين ليسوا وحدهم، لأننا نشق طريقنا خلال مصاعب الحياة معًا.
__________
* نُشر على نون بتاريخ
6-3-2016
** المصدر: الدومين نفسه اتشال للأسف :(
No comments:
Post a Comment