في اللقاء التليفزيوني الذي جرى مع عدد من الكاتبات المتألقات هنا في "نون"، أوردت المذيعة "مفيدة" قولاً جاء عفويًا تمامًا: "تخس شوية"، تعليقًا على أحد المتصلين الذي قال إن على جميع البنات أن يخرجن من بيوتهن "مذهلات" كي يذهلن الرائح والغادي. جاء التعليق تلقائيًا، لكنه أثار انزعاجي جدًا: من أعطاها الحق كي تقرر هي أو الآخرون أن فتاة بعينها تحتاج لأن "تخس شوية" يعني؟ ما الميزان أو المعيار الذي يحدد أن على شخص ما أن يفقد بعضًا من وزنه كي "يعجب"؟
في فيلم "سكر بنات" تصدر إحدى الفتيات العاملات في محل الكوافير تعليقًا مماثلاً. كانت تريد التخفيف على صديقتها التي تحب رجلاً متزوجًا، فدعت زوجته للمحل، وعندما ذهبت قالت "شفتي وراكها؟ ها القدّ قدها" بينما كانت السيدة عادية تمامًا في نظري. أرادت تبسيط أثر رؤية الغريمة على صديقتها فادّعت أنها -الصديقة- أكثر نحافة منها، وأنها بالتأكيد أجمل.( اقرأى أيضًا: كل البنات حلوين )
من قال إن "الوِراك" الممتلئة عيب؟ لماذا تُقابل كل البنات ذوات الانعطافات الثرية بتعليقات ساخرة من نوعية "ما تخسي شوية"؟ في أول فيلم "محل التجميل –Beauty Shop" الصادر عام 2005، تقول كوين لطيفة متسائلة لابنتها: "هل يجعلني هذا البنطلون أبدو ممتلئة؟" فتردّ الابنة بعد نظرة خاطفة فاحصة: "نعم بالطبع" لتشعر الأم بالسعادة وتتطلع للمرآة بنظرة واثقة أخيرة قبل أن تنطلق لعملها. نفس التعليق تقريبًا قالته كوين عندما لعبت دور "إيلي" في فيلم "العصر الجليدي 2: الانهيار الجليدي" عندما سعدت جدًا بتعليق ماني على نهايتها الخلفية، قائلاً إنها "ضخمة" فانبسطت واتسم صوتها بالدلع وهي تشاكسه: "إنك تخترع ذلك من عندك" فيؤكد لها بحرارة أنه لا يكذب.
أعتقد أن كوين لطيفة تريد أن تقول لنا شيئًا هنا: لا عيب في النهايات الخلفية الكثيفة، ولا الأرجل الممتلئة. لكن هذا المعتقد لم تصل إليه بسهولة، ولم تولد بالتأكيد بتلك الثقة. تقول كوين: "مرّ وقت كنت فيه ضعيفة جدًا، أحسست فيه بعدم الأمان حيال جسدي وما أنا عليه فعليًا، إلى أن أصبحت مستريحة معي. اضطررت إلى التوقف عن الاستماع لكل الهراء الذي يقوله الآخرون عني وعما كنته، وعندما تمكنت من ذلك، شعرت بالحرية". (1)
عندما وصلت لهذه القناعة، قالت: "أتمنى لكل امرأة أن تحب نفسها وتعتز بما وهبتها به الطبيعة". (1)
عُرضت منذ فترة على موقع تمبلر صور لسيدات أعمال ناجحات من كينيا. معظمهن يملكن محلاً أو يعملن في واحد، وتظهرهن الصور واثقات جدًا من أنفسهن، وجميلات، ومبتسمات، والأهم: ممتلئات الجسم. لم يخجلن من منظرهن ولا عدة الكيلوات الزائدة، لم يقلن للمصور: "طلّعني خاسّة من هنا وهنا" أو يختبئن وراء الكاونتر كي لا يظهر كل الجسد. يرتدين الملابس الوطنية الملوّنة ويعقدن على رؤوسهن ما يشبه العمامات ذات الألوان الزاهية المحبّة للحياة، ويبتسمن بجلاء. أعجبت لشجاعتهن في احترام قدراتهن على العمل ومغالبة الظروف الصعبة، ودخلن قلبي جدًا لعدم خجلهن من أجسادهن واختلافها عن المنظور الهوليوودي المغالى فيه، والمنتشر على مستوى العالم.
في فيلم "Phat Girlz"، تحاول "جاسمين" ذات الأصول الإفريقية مجاراة الموجة العامة للبنات الرفيعات فتفشل. تغرق في بحر الرثاء للذات وتحزن جدًا، إلى أن تقابل رجلاً يحبها كما هي، ويُشعرها بأنها مميزة، لكنه لأسباب تخصه يرحل. هنا قررت ألا تبحث عنه إلى أن تصبح ناجحة في عملها، فتبتكر خطًا جديدًا للموضة وسمته "Thick Madame" أو السيدة ثرية المنحنيات. تنتشر الملابس التي تصممها وتنجح جدًا، فتسعد بجذب أنظار مجلات الموضة التي اهتمت لعقود بالسيدات النحيفات لدرجة المرض، وهي الآن مهتمة بتصوير الخطوط الجديدة للثراء الجسدي والتعليق عليها. أنا متأكدة أن ما كان خيالاً ببال "جاسمين" فأصرت أن تحققه جلب أطنانًا من الثقة بالنفس لفتيات أدركن أن عليهن تحمّل تفرّدهن في وجه مجتمع لا يرى سوى خلّات أسنان بدلاً من سيقان وافرة الصحة محبة للطعام الجيد المصنوع بتفانٍ.
يجب على المجتمع أن يخجل من نفسه، فلا يصبح الشغل الشاغل لفتاة في الرابعة عشرة كيف تصل لوصفة الحمية الغذائية المثالية التي تحقق لها بطنًا دون نصف دائرة تدل على تمتعها بالمكرونة والجبن حتى لو في منتصف الليل، وتجلب لها سيقانًا لا يلتف حول عظمها شيء سوى جلد مشدود جدًا ربما يبرز الأوردة من تحته. ربما نلحق ببعض السنين الضوئية التي تفصلنا عن بلدان العالم الأول، لو توقفت الفتيات عن الهوس بأن يعجبن الجميع، أمها وطنط فلانة وقريباتها اللواتي يرمينها بسهام القبح لتشعر بعدم الثقة بنفسها، وقررن تعلّم العلوم الفضائية أو الكيماوية، أو التحقن بالبرلمان ليحاججن لاستحقاق حقوقهن. هناك فتيات وسيدات أضعن أعمارهن في محاولة الحصول على حقوق المرأة للتصويت، وأخجل من النتيجة التي وصلنا إليها، وأقول إنه حتمًا لم يضحين بحياتهن ورفاهيتهن لنصبح على هذه الحال.
عندما سأل موقع About Entertainment كوين لطيفة عن مفهومها عن الجمال قالت: "الجمال يأتي من الداخل، وكلما قلّت المجهودات زاد وضوحًا، فهو يبدأ من الروح". (2)
__________________________
__________________
نُشر في نون
نُشر في نون
http://nooun.net/article/1389/
No comments:
Post a Comment