في المقالين السابقين تحدثنا عن بعض
التقنيات الممكن اتباعها كي نخفف من مقدار الألم الناتج عن مشكلة أو أزمة حدثت
بسبب الأوضاع الحالية في حياتنا وما يمسها من قرارات. في هذا المقال سنختتم الغطس
ونطفو، أي "مامبو"، لعلّ هذه الأمور كلها التي ناقشناها تنتج عن شيء
إيجابي، ولو لشخص واحد فقط.
...
"لاحظت عبر حياتي أن من يشبهون
الملائكة ليسوا مخلوقات نورانية غير ملموسة، بل إنهم أكثر واقعية وحقيقية من ذلك.
إنهم أناس ذاقوا الأسى وشعروا بالألم، وبطريقة ما، فإن ذلك جعلهم قادرين على أن
يصيروا ملائكة. ففي أحلك لحظاتهم أصبحوا أقوياء."
سَبَج رقاقة الثلج، ذا هيبي
(السَبَج: الزجاج البركاني)
...
مفاهيم جديدة للطفو:
1- الاستسلام:
هو أن تقرر التوقف عن محاربة نفسك
ومشاعرك، وأن تقتنع – بدلاً عن ذلك – بأن كل شيء حاصل الآن سيمرّ وينقضي. وفي ذلك
الوقت، فإن أفضل شيء تفعله وضع خطة لتمضية ذلك الوقت ومحاربة الألم، وليس نفسك،
بعقل متفتح ومتقبل للرحلة بكل تقلباتها، ونظرة إيجابية، حتى لو لم يكن في الموضوع
من إيجابيات.
كيف؟
1- الثقة: ثِق
بأن كل شيء له هدف ومعنى. دع التجربة تعلمك شيئًا ما. تذكر أن التعلّم بالألم يحفر
في داخل الروح والعقل أكثر من مجرد "السماع" عن تجربة شخص آخر. كما أنه
يزيد من قدرتك على المسامحة وتفهم البشر. ثِق بإرادة الله وأعطه مفاتيح روحك لتركن
إلى جانبه، بإيمان أن كل شيء على ما يرام، والأفضل – ربما – لم يأتِ بعد.
2- التقبل: إن
تقبل ما يحدث الآن في حياتك يساعدك على تجنب الألم المصاحب لعدم الفهم. ولا يعني
هذا أن موقفك الحالي من الأزمة أو الوجع لن يتغير للأحسن، بل على العكس. يمكنك
التفكير في أفعال إيجابية تتخذها لتهوين الأمور عليك. تذكر أن عليك التوقف عن
محاربة نفسك أو التسخيف من مشاعرك وأفكارك.
3- اسمح للأشياء
بأن تعبر من خلالك وتمضي لحال سبيلها دون أن تحارب أفكارك تجاهها. تذكر حينما تأتي
العاصفة، افتح لها البابين الأمامي والخلفي للمنزل، كي يعبر البرق من خلالهما ولا
يتوقف لديك ليصيبك في مقتل. لا تقاوم الألم، اسمح له بالمرور وتجاوزك، لأن مقاومته
ستترك علامة بداخلك، ويؤلمك أكثر. كل شيء سيمضي. هذا أيضًا سيمرّ.
2 – اصنع أشياء إبداعية: ارسم
واكتب وارقص وغنّ واعزف، يمكن لألمك أن يتحوّل لشيء جميل في النهاية. مصطفى
إبراهيم شعر بالألم من أحداث نهاية 2011 اللا عقلانية فكتب قصائد، موجعة نعم،
لكنها معبّرة جدًا. ربما يموت مصطفى ولا يتذكره أحد، لكن قصائده ستبقى. الهدف ليس
تجميل ما تشعر به، بل على العكس، إخراجه كما هو. تحتاج لذلك، تمامًا كحاجة الآخرين
له، لأنهم ربما لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم. أكتب لكَ ولهم، كما فعل مصطفى
إبراهيم.
3 – اخلق مساحة بينك وبين مصادر
الاستنزاف الشعوري، حتى لو كانوا مقرّبين منك – عائلتك مثلاً. اخلق وقتًا للانفراد
بنفسك والتحدث إليها. كلّم نفسك كتير. كلّم ربنا كتير.
4 – من حقك وحق الناس أن يحزنوا.
تذكر ذلك. دعهم يشعرون بالحزن للفقد أو العجز عن اتخاذ أفعال أكثر تأثيرًا. لا شيء
يعيب في هذا. لا تحاول "إضحاكهم" أو إخراجهم من حالة الحزن، لا تصادر
حقهم في المشاعر السلبية. اســـــمــــعــــهــــم يتحدثون عن ألمهم.
“I
really do believe there is a heaven somewhere up above my head” Sister Rose.
5 – لو كان من تهتم لأمره يشعر
بحزن عميق، ظلّ بجانبه. اسمح له بإظهار مشاعره والتعبير عنها، وتوقف عن قول
ملاحظات مثل "إنت مش ح تتجاوز المرحلة دي بقا؟"!!
تصالح مع فكرة رؤية الألم في عينيه،
وتقبله كما هو، لأنك بذلك تمنحه هبة الشفاء. ضع تركيزك في التعاطف معه والبقاء إلى
جواره.
إن إظهار شخصيتك دون رتوش له يسمح
بالتبعية له بأن يظهر مشاعرك ويصبح على طبيعته معك. من الأفضل التعبير عن الألم
بدلاً من كتمانه ليظهر أمامك "على ما يرام" أو " لا شيء يفتّ في
الحديد".
إن الحقيقة القاسية أنك لن تعود نفس
الشخص ثانية، بل ستتحول لنسخة "ممتدة" منك، تشمل ذاتك القديمة إضافة
لذات جديدة تعرفت على الألم والفقد والحزن وتقبلتهم، وتعلمت التعبير عنها. كما
أصبحت لديها القدرة على معرفة النعمة والدرس المصاحبين لتلك التجربة، وبالتالي
تعلّمت تقدير الحياة ذاتها بكل حقيقة تمر بها.
6 – احصل على المعلومات بشأن حالتك.
معرفة بأن ما تمر به له اسم ووصف وطريقة علاج، أمر يساعد كثيرًا جدًا على تجاوزه.
اسأل جوجل أغلب الوقت واشترِ كتبًا لكي تعرف بأن ما أنت فيه "طبيعي"
وليس خطأ.
7- اسمح لنفسك بالحزن، ابكِ، لا تصبح
قاسيًا على ذاتك، وسامحها على ضعفها. اسمح للآخرين بالتعاطف معك، احضنهم ودعهم
يحضنوك. اجلسوا حول طاولات الشاي وتحدثوا في ألمك/ألمكم ولا تهزأوا به.
8 – إن الحزن عملية علية للتواكب مع
المعطيات الجديدة وفهمها، حيث إن عقلك يكمل بداخله الصورة القديمة عن الحياة كما
هي – قبل مقتل صديقك مثلاً – فوقت حدوث الأزمة يتوقف عن الاستيعاب، لذلك لا بد له
من وقت كي يفهم ويستوعب، ويخلق مسارات عصبية جديدة تحمل المعطيات التي تغيّرت.
نقاط متفرقة:
لو لم تشعر بأزمة حاليًا، لكنك شهدت
من قبل مشاهد أو حضرت مواقف صعبة، من قتل مثلاً أو هرب أو تعذيب أو اعتقال، أو
ظلال من طفولة سيئة، حاول إصلاحها قبل أن تتغلغل مسببة أزمات أكبر، حيث إن إصلاح
السقف المكسور في يوم مشمس أفضل من انتظار المطر لينهمر فوق رؤوسنا.
عندما تصبح مستعدًا لذلك، ابحث عن
الدرس. فالمصائب والمحن تأتي بدرس معين أو حكمة، وفرصة جيدة للنمو الشخصي لا يحصل
عليها من انزوى في ركنه وفضّل عدم المشاركة نهائيًا. كما أنها تعمّق من فهمنا
لأنفسنا وللآخرين، وتعزز من مشاعر التفهم والتعاطف مع الآخرين وتعلّم ترك مساحة
شخصية لهم، وهذه أشياء لا تأتي بالقراءة، بل بالدعك في مصائب الحياة المختلفة.
وإلى من يرون أن كلامي كله
"بلح" لا فائدة له معهم أو في حالتهم تلك، أقول لهم أنتم ربما في أقصى
منحنيات الألم والثِقل لديكم. امنحوا أنفسكم وقتًا وفرصة للتعافي وستصبحون أفضل،
وحينها يمكن لكلامي أن يؤثر ولو حبة صغيرين. اسعوا للحصول على مساعدة طبية نفسية.
هناك درجة معينة من الغرق لا تصلح معها محاولات الإنعاش إلا لو أنقذت نفسك أولاً.
ساعدها، ثم تعالَ لترى إن ظلت مقالاتي نوعًا من الفاكهة أم لا :)
نُشر في نون بتاريخ يوليو 2014
No comments:
Post a Comment