تتوجه فيروز كراوية، الحاصلة على الماجستير في الدراسات الثقافية بهذه الدعوة للولد الذي يعجبها، مبررة طلبها بأنه "أصل الحكاية إني ساعات بأستلطفك".. تريد أن تحصل على بعض الوقت لهما معًا، لتستكشفه أكثر، ربما يعجبها أكثر، ويتطور الأمر ليدخل المشهد شقة صغيرة وطفلان ملوثان بالشوكولاتة، وضاحكان رغم ذلك.
لفترة من الوقت، كنت أعجب بفتية- أفضل تسميتهم "أولادًا"- أراهم حولي. لم يكن في كليتنا أولاد كثيرون، كانت البنات أغلبية، لدرجة أن فصلاً يضم 150 من الطلبة كانت البنات فيه 149 والأولاد واحدًا! إضافة لأني كنت كالقطار المتحرك على قضبان محدد مسبقًا: الدراسة، قاعات المحاضرات، الصف الأمامي دومًا حتى لو اضطررت للشجار من أجله، المكتبة برفوفها المتربة التي تثير حساسية قديمة، باص عم سيّد، ثم العودة للمنزل.
الترفيه الوحيد الذي سمحت لنفسي به هو المرور على بائع الجرائد كل يوم أربعاء لشراء الدستور في إصدارها الثاني، أيام خالد كسّاب وضربة شمس وطلال الفيصل ودعاء العدل. إحدى صديقاتي القاطرات أيضًا استفادت من وقتها أكثر، فقرأت جُلّ أعمال ديستويفسكي، الترجمة الكاملة لسامي الدروبي.
تعرّفت على أحد المنتديات الأدبية، ومن هنا بدأت الحكاية. كنت أستلطف شابًا فأتابع كل ردوده وكلماته التي يكتبها، وأخجل من التعليق عليها "لياخد باله!".. كنت أقرأ كثيرًا جدًا، وأقضي الساعات على الإنترنت متابعة كل شيء، قبل العصر الذهبي للفيس بوك طبعًا. أكتب على مدونتي أن الجمال له ناسه، وأن كذا وكذا رأي صائب طبعًا- رأي ولد بعينه!- وأن الطول يزيد الشخص وسامة، وما إلى ذلك. أقول لو قرأ مدونتي سيعرف أني مهتمة به، وربما يبادلني الاهتمام.. لكن، تفصيلة صغيرة: لم أُعطه المدونة أصلاً!
كنت أخجل جدًا من محاولة الحديث لشاب، وأصمت في حضرتهم تمامًا. لم يعرف أحد ممن أعجبت بهم حقيقة مشاعري نحوه، تبعًا لهذه السياسة. وكنتيجة، جميعهم الآن متزوجون/في طريقهم لذلك، وأنا وحدي تعيسة أفكر في الليالي التي أسهرها أني "لو كنت لمّحت له!".
الآن كبرت قليلاً، وصرت أراقب من بعيد وعلى حذر ولدًا ما، وأقرر أني سأعجب به. أخطط للقاءات تجمعنا، أفكر في كلام أقوله، ثم أجبن في اللحظة الأخيرة. الأوقات التي تصدف وتنجح فيها المخططات أجلس صامتة كجرس مخروم، مما يشجعهم على الاسترسال في الكلام. جمعت لديّ حتى الآن مجلدات ضخمة من حكاويهم وقصص حياتهم وما مرّوا به، خصوصًا بعد تفتح موسم الأمل في مطلع العقد الثاني من الألفية. لم يعرف أي منهم الكثير عنّي.
يتطلب الأمر شجاعة خارقة، لكنها ممكنة التحصيل: لمّحي له! قولي له أحب كلامك، أحب حديثنا معًا، أحب عندما تنصت إليّ، لا أريد الذهاب لهذا التجمع بدونك، "عوّدت عيني على رؤياك". أم كلثوم، كونها تراثًا شديد الخصب والإنسانية، عبّرت تقريبًا عن كل ما نريد قوله، بجيش الشعراء الأفذاذ الذين كتبوا لها. يمكنكِ عزيزتي الاقتباس منها، لكن من اللطيف أيضًا الخروج بكلامك الخاص.
في إحدى الفترات، والتي أعقبت إحدى الشدائد التي ألّمت بي، فقدت قدرتي على التعبير. لذلك كنت أنبهر باستطاعة الناس أن يصيغوا مشاعرهم في شكل كلام، وأن يخرجوه من أفواههم مفهومًا، ويوصل رسالة محددة ولطيفة. كنت أستعين بصديقاتي كي يترجموا لي ما أشعر به، وتجنّبت الولد الذي ظللت هائمة به أسابيع، ثم قررت أن اللعبة كلها لا تناسبني، وأن عليّ حلّ مشاكلي الشخصية أولاً قبل اتخاذ قرار البوح، أو لفت الانتباه.
أشفق على نجوى، في فيلم "في شقة مصر الجديدة" تأليف وسام سليمان وإخراج محمد خان- زوجان بالمناسبة- لأنها تعلمت عن الحب من مدرّستها في الرابعة عشرة من عمرها، ثم أقصيت تلك المدرّسة، ولم يعد أحد حولها يؤمن بالحب. ظلّت وحدها تبحث عنه، حتى بعد بلوغها الثلاثين، واضطرارها للقبول بشاب لأن "مفيهوش عيب".
أؤمن بأني محظوظة جدًا بأصدقائي الذين ما فتئوا يشجعونني على التمسّك بحلمي، ببيت لطيف هادئ يشاركني فيه شخص أحبه، وأن الحب موجود حتى في أحلك اللحظات ظلمة، وأني حتمًا واجدته، فقط عليّ البحث، والسعي للعثور عليه. في نهاية الفيلم، ترسل أبلة تهاني لنوجا رسالة مفادها بأن الانتظار الطويل الذي قضته قد كُلّل بالنجاح أخيرًا، فقد وجدت حُبّ حياتها. امتدح نوجا على شجاعتها لإيمانها بالحلم، ولسعيها لإثبات وجود أبلة تهاني، وأطيافها الباحثة عن الحب، ومن ثمّ إيجاده. انتهى الفيلم بأمل مكالمة نجوى للأستاذ يحيى، وأمل اللُقيا.
لا يمكنكِ الانتظار للأبد، كي "ياخد باله" ويقرر أن يهتم بكِ ثم أن يخبركِ بذلك. خذي خطوة أولى، لن يضرّ ذلك أحدًا، فعلى الأقل ستعرفين ردّ فعله مباشرة. نعم، أعرف أن لدينا تراثًا هائلاً من السخرية والتبكيت في الفتيات اللاتي يعبّرن عن رأيهنّ بحرية، ويقال عنهنّ أشياء كثيرة. دعكِ من هذا كله، اختاري مصيرك بيدك، اختاري الطريق الذي تريدين المضيّ فيه، اصنعي خياراتك وامضي فيها. تحلّي بالشجاعة، لأجلك.
____________________________
5-2-2014:نُشر في الشروق بتاريخ
http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=05022014&id=93e299a8-143d-4307-90cd-12e99cf71bd6