Wednesday, April 9, 2014

لو متّاخد ردّيه *


لكَ عينان مثقلتان. لو خلعت نظارتك، سيظهر إرهاقهما جليًا.. تحيط تجعيدتان بركني فمك، دلالة على زمّ الشفتين، دومًا، كبتًا للمشاعر.. تتهدل خصلة من شعرك الطويل الناعم على وجهك، لتصطحب رشفة القهوة الداخلة، تمنيت لو أزحتها بيدي.. تمنيت أصلاً لو ربّتُّ على كفِّك، لتهدئ من إيقاع كلامك السريع الشبيه بالطلقات، وتستّكنّ.. سألتك ثلاث مرات عما بك، دائمًا تهرب، دائمًا هناك موضوع ما لتتحدث فيه، وأنا ما شئتُ الضغط عليك. أدركت بعدها أن دفاعاتك قوية وصلدة، وأني لم أنجح في هزّها، وأنها لو تهاوت، ربما تنهار أنت ذاتك، وأنا لا أريد لهذا أن يحدث..
أخبرتني بابيضاض شعيرات ذقنك، وأشرت على مكانها، وأنا تحرّجت من النظر، لا أدري لماذا.. سألتك متى حدث هذا، وأنا أظنه عاديًا مع بلوغك الثلاثين. لكن هذا لم يحدث، أجبتني بكلمتين، وأنا تنّحت تمامًا. شعرت بنغزة في قلبي، هنا بدأ الموج يتصاعد.. موجات من الحزن الثقيل الصافي، وإحساس متعاظم بالعجز، ارتفعت بداخلي، عَلَت حتى بلغت عينيّ، لم تهطل دمعًا في وقتها، مَحتني محوًا عندما وصلت للمنزل، وهاتفت صديقي الذي اتفقنا معًا أن نقرأ لأمين حدّاد وقتها.. ذَكَر كلمة "الأسى" وأنا صمتّ لبرهة، ثم انفتحت في ماسورة عياط مفاجئة.. أغلقت الهاتف وأنا أخاطب السقف وأحاول أن أفهم: "ليه طيب؟ ليه؟"..
..
لا تعرف أنتَ أني كتبت عنك تدوينتين، إحداهما قصة، والأخرى مديح في زمن كان أسهل.. كنا رائقين وقتها، بل إنك في وقت لاحق على كتابة ثانيتهما سألتني وأنت ترشف عصير البرتقال عن تعريف الجَمَال.. صمتنا وتحدثنا واحتفظت بنص المحادثة. لم نكن نتقابل كثيرًا، كحالنا اليوم، لكن هذا لم يؤثر كثيرًا على ترابطنا، ووجود أحدنا حين احتياج الآخر له..
...
يأتي البكاء دومًا يا عزيزي، يأتي قبل النوم، آخر اليوم، أول طلعة النهار، عند الردّ على المكالمات، صمتًا أو كلامًا، وسط النوم في شكل نهنهة عالية الصوت، عند ربتة مشروب الفراولة على الجوف، أو حين إغلاق باب غرفة الأولاد عليهما، إعلانًا عن عدم مشاركتهما حزنًا أو فرحًا، معي.. لذا لا تقلق، سأتدبر أنا أمر بكائي وسأتعامل معه، لكن لا بد من مقابلتنا.. حتى لو لم أملك لك شيئًا سوى الأحضان المبتسرة، تلك التي تضغط فيها جبينك على كتفي، وتختفي عن العالم ولو لبرهة.. سيكفي، هذا سيكفينا معًا، تمامًا، تمامًا..
_______________________________________
جزء من أشعار عُمر مصطفى
1-9-2013

No comments: