"يا صحبتي في الهمّ
يا شِركتي في الدمّ
عزوتنا لو نتلمّ
ونغنّي للفقرا"
...
غنى إمام عيسى بأن نار الغلّ في أيلول – سبتمبر، اتفاقية السلام – ونكسة يونيو أسوأ من ريق المرّ الناتج عنطعم الرزايا. لم يتصوّر أن تحمل باقي شهور العام نيرانًا أشد غلاً وذلاً ومرارًا، خاصة شهر يناير، على أيدي نفسالخمسة بالمائة الحاكمة الغشيمة، والتي لا تسعى إلا لتثبيت معتادي الحكم فيه. في 25 يناير 2014 قبضتالأجهزة الأمنية على عدد كبير ومتضارب من الناشطين الثوريين، يتراوح عددهم بين 100-1000، في شتىأراضي الوطن الجالب لشقاء أهله؛ ومنهم كريم، ومنعوا وصول المحامين إليهم في محابسهم، لتمثيلهم أوالتخفيف عنهم.
***
"سهرتنا صبّاحي
"سهرتنا صبّاحي
طول ما الألم صاحي
يا شوقي يا جراحي
يا حبّي يا بكرة"
...
بالتأكيد تصوّر الشيخ إمام وهو يدندن بهذه الكلمات في مطلع الثمانينات أنها ستصلح لما يقرب من ثلاثين عامًابعدها. يغنيها كريم في زنزانته، بصحبة رفاق العنبر، محاولاً تحميسهم ونقل عدوى الأمل إليهم، ويؤكد على آخرسطر منها، ثم يبتسم في وجوههم فيضيء محيّاه، ليكون آخر ما يروه قبل إطفاء النور الإجباري. يدير رأسهالحليق قسرًا ناحية الجدار المنحوتة عليه أمانٍ وأدعية، ويحاول النوم.
***
يصف م. كمال رفيق كريم "جاميكا" في النضال، أن طفلي الشهيد أحمد المصري لم يعودا غريبين عن كريم؛ حيثيختلف إليهم في زيارات منتظمة على مُدد متقاربة، يرعى شؤونهم ويحمل إليهم اللعب والفاكهة. اتذكر صورتهوهو يُجلس ابنة المعتقل محمد مصطفى على رقبته، انتظارًا في الشارع المقابل للمحكمة انتظارًا لسماع الحكمعلى والدها.
لم يحابِ كريم أولاد المصري لأنهم أبناء أعز أصدقائه، الذي اختطفه رصاص الأمن المركزي أثناء تصويره فضّ اعتصامالنهضة في أغسطس 2013، بل كان وسيظلّ هذا موقفه مع كل أبناء الذاهبين لغيابات السجن أو الصاعدةأرواحهم لعند الله، بينما تضم الأرض رفاتهم.
***
بين رفاق كريم شباب يافع، ممتلئين حماسة وأملاً عظيمًا في قدرتهم على التغيير. يحكون عن "تبنيه" لهم،فيقول أحمد حسام: "من أجدع الشباب اللى ممكن تقابلها، زى ما بيقولوا "يا بخت اللى صاحبه جدع ". كان دايمابيساند المعتقلين.. كان بيسيب أي حاجة وراه و يروح يزور المعتقلين."
بين رفاق كريم شباب يافع، ممتلئين حماسة وأملاً عظيمًا في قدرتهم على التغيير. يحكون عن "تبنيه" لهم،فيقول أحمد حسام: "من أجدع الشباب اللى ممكن تقابلها، زى ما بيقولوا "يا بخت اللى صاحبه جدع ". كان دايمابيساند المعتقلين.. كان بيسيب أي حاجة وراه و يروح يزور المعتقلين."
ويكمل: "كريم معايا: أبويا الروحي.. بيخاف جدا علينا و دايما بينصحنا، و لو فى اشتباكات كان دايما خايف علينا.كريم جدع و شهم و مبتكر.. دايما كان بيطلع أفكار كويسة ومحترف فى منهج اللاعنف. #شكرا كريم طه، اتعلمتمنو حاجات كتير."
ويزيد عليه م. حمزة: "كان على طول أطفال عزبة العرب واحشينه، على طول كان هو أكتر حد بيفتكرهم و يقعديقول الناس دي مينفعش نسيبها."
ثم يضيف: "بابا الروحي.. من زمان كانت نصيحته متبقاش همجي و ثورجي و خلاص، فكّر خليك مبدع.. لازم تبقىكادر ناجح بس.. وبعيدًا عن إنه بابا و كده فكفاية إنه يدخل وسط النار عشان يطمّن على بنت."
ويزيد عليه م. حمزة: "كان على طول أطفال عزبة العرب واحشينه، على طول كان هو أكتر حد بيفتكرهم و يقعديقول الناس دي مينفعش نسيبها."
ثم يضيف: "بابا الروحي.. من زمان كانت نصيحته متبقاش همجي و ثورجي و خلاص، فكّر خليك مبدع.. لازم تبقىكادر ناجح بس.. وبعيدًا عن إنه بابا و كده فكفاية إنه يدخل وسط النار عشان يطمّن على بنت."
***
تبدو الصورة غيامية مؤلمة، فبعد أن ذهب جاميكا كنوع من المؤازرة مع المناضل أحمد ماهر مؤسس حركة 6إبريل ليسلّم الأخير نفسه عقبما استدعته النيابة، أخذوا ماهر وانهالوا فجأة بالضرب على كريم. أكثر من ثلاثينجنديًا وضابطًا من الأمن المركزي، وبكعوب البنادق وبالأرجل. بالتعبير الدارج "حفّلوا عليه"، أي التهموه حيًا ولميتركوا منه ذراعًا ولا إصبعًا.
تبدو الصورة غيامية مؤلمة، فبعد أن ذهب جاميكا كنوع من المؤازرة مع المناضل أحمد ماهر مؤسس حركة 6إبريل ليسلّم الأخير نفسه عقبما استدعته النيابة، أخذوا ماهر وانهالوا فجأة بالضرب على كريم. أكثر من ثلاثينجنديًا وضابطًا من الأمن المركزي، وبكعوب البنادق وبالأرجل. بالتعبير الدارج "حفّلوا عليه"، أي التهموه حيًا ولميتركوا منه ذراعًا ولا إصبعًا.
لم يترك جاميكا هذه الحادثة تؤثر عليه. عاود نشاطه مثلما بالسابق وأكثر، وفي الذكرى الثالثة للثورة انضمللمظاهرات الخارجة من مسجد مصطفى محمود. كان بآخر الصفوف ليضمن أن الشباب كلهم بخير، وكانيطمئنهم دائمًا بأنه "متخافوش، أنا معاكم". وعندم ابتدأ الضرب بالغاز والخرطوش كان هناك فتاتين متأخرتين عنالجمع، ووقعوا في منطقة النار. دخل كريم وسط الضرب لينقذهما، فكان أن قُبض عليه. ما يحكّ بذهني الآن ما لابدّ أن يراود الفتاتين من إحساس بالذنب، لكنكما لم تكونا السبب في اعتقاله، لم يكن أي منا سببًا في أيمكروه حدث لرفيق كفاح، فبعد كل شيء نحن لم نضغط على الزناد، أو نغلق الكلابشات على أيدي الرفاق. كلما طلبناه كان خبزًا وحرية. ونحن لم نخطئ.
***
هل هو صدأ بالقلب أم أن تكرار مرّات احتجاز الرفاق أورثني حصانة من الألم؟ أذكر في المرة الأولى التي حضرتفيها اعتصامًا للإفراج عن رفيق مناضل، جورج رمزي، أني توقفت عن الأكل وإن ليس عن طبخه، وصار نوميخفيفًا، انتفض لأقل تفصيلة مفاجئة. ساعتئذٍ كتبت تدوينة عنه، وناشدته أن يخرج، ليعود لي الإيمان بالأشياء.وعدته عند خروجه بأطباق تُطبخ خصيصًا له، وبتجميعة صِحاب تعوّضه عن الحبس الانفرادي. كنت أشعر بالذنبلأني اتنفس هواءً عاديًا، ليس محاطًا بأسوار ونوافذ ضيقة، وبأني أرى الشمس، ولي الحرية في عمل أي شيء،حتى لو كان عبور الشارع، وتقرير إلى أي اتجاه سأذهب، يمينًا أم يسارًا.. ذلك الإحساس المتواصل بالذنباختفى الآن، وصرت أحضّر قهوتي بصفاء ذهن، بل إني أحيانًا أدندن.. ما لا تعرفه يا كريم أني عند استسلاميلأفكاري وحدها، وإطفاء كل الأجهزة المتصلة بالإنترنت استعدادًا للنوم، اتخيلّك خارج السجن وأنا استقبلك بلهفة،أسلّم عليك، أجدك بنفس الابتسامة، نفس الشعر الذي أصرّيت على نفشه في الآونة الأخيرة، ما زلت مقاومًاوصامدًا وساخرًا، ما بقلبك على لسانك، وتخصّني بمعزّة خاصة تبهج قلبي وتجعله مزأططًا كده.
ستخرج يا كريم، أعرف هذا يقينًا، ستخرج بإذن الله، وسترى الشمس كما تحب. هناك صورة منتشرة بكثرة علىمدونات تمبلر، تحكي عن سطرين من الشِعر مخطوطين على جدار، بخط رقعة منمق:
"غــدًا ستــشــرق الشــمــس
وأنا..
أحبُّ الصبــاح كثيــرًا."
______________________
نُشر في موقع "قُل" بتاريخ 7-2-2014:
http://qoll.org/UI/Front/Inner.aspx?Aid=297#.U0VsAfmSxUW
No comments:
Post a Comment