لي صديق محبوس اسمه كريم. صار له
الآن ما يقرب من أربعة أشهر، لم أره فيهم سوى مرة واحدة لظروف سفري. حُبس بتهم
عبيطة جدًا. اتناساه أحيانًا، لكني أتذكره دائمًا في صلاتي، وأدعو له كثيرًا، لكن
ليس بحرقة، لأني لا أطيق صبرًا على استجابة الدعاء، فلو لم يخرج سريعًا لتساءلت.
لذلك أقي عقلي من التساؤل وقلبي من الحرقة وأقول يارب، بلساني، أعنيها حقًا، لكن
مش أوي.
يوحشني جدًا أحايين.. يمضّني
افتقاده وأنه "ليس هنا" بينما أنا أيضًا "لست هناك" ثم اتذكر
أنه ومع ذلك "ليس هناك" فتصبح غربة مضاعفة ووحشة مضروبة في ثلاثة. أحتار
فأحاول النوم رغم كل شيء فتأتيني صورته باسمًا معلّقة وراء جفنّي المغلقين فلا
أستطيع النعاس. أفكر في أن أرسل له صلاة "جوروجيتا" مثلما كانت تفعل
إليزابيث جيلبرت مع ابن أختها الذي يعاني من مشاكل في النوم. كانت في الهند وابن
أختها في أمريكا، وبينما تصلي قبل الفجر كان هو يتهيأ للنوم في أول الليل، لذلك
صلاتها ساعدته جدًا.
يحضرني كريم، شعره الناعم الطويل
منتثر حول وجهه، وابتسامته "تضيء" حرفيًا وجهه، بينما لا يضع نظّارته
التي كسّروها له، ورأيته بدونها آخر مرة. يبتسم كريم عندما يريد ذلك، ومن قلبه،
بينما في أغلب الأوقات يلتوي ركن فمه بابتسامة ساخرة، يثيرها ميله الدائم للدعابة
والسخرية. أقول تحضرني صورته فأركز فيها جدًا، وأبدأ في توجيه الكلام له: أريدك
طيبًا، أن تحيط الطيبة بقلبك فتحميه، أن يزور السكون عقلك فيطيّب خاطره، أن تهدأ
أفكارك قليلاً كيلا يقتلك التساؤل ويتركك خواء.. أركزّ أكثر فأرسل له طاقة أمل
وابتسامة وهّاجة، تنقلب لضحكة عالية عند تساؤلي عن ردّ فعله لو عرف ما أفعل. تظل
صورته واضحة أمام عيني المغلقتين فأستمر في محادثته، إنت كويس، أمدّ كفًا خيالية
فتربت على صدره، موضع القلب، وأقول هنا بخير، نحن بخير، والقلب أخضر مزهزه يا
كريم.. لا مكر ولا حسد..
لو كنت في مصر لزرت لك السلطان حسن. أحب المسجد جدًا، تطاوله
في البنيان، العمارة التي قصدت عزله عما حوله من ضجيج ودنيوية، الميضأة ذات الماء
البارد، الرخام البسيط، وصوت الشيخ المبتهل دائمًا، شاكرًا لله.. سأجلس في الركن،
إلى جوار النافذة ذات القضبان، والمؤدية لبيوت طالبي العِلم القدماء. لم يعد أحد
الآن يلازم مسجدًا ليطلب فيه علمًا يا كريم. سأدعو الله لك. أن تخرج سريعًا، أن
تخرج سالمًا، سأقول عشان خاطر سيدنا النبي، بلاش خاطري وخاطرك، عشان خاطر كل الخير
والطيبة اللي بُعث بيهم سيدنا محمد، كل الحب اللي بشّر بيه سيدنا عيسى، كل طيبة
المعاملة اللي نادى بيها ونفذها سيدنا يحيى.. سيسند كفّي قلبي لأني لا أريد له أن
ينخلع، لا مانع من بعض الدموع، فأنا لا أخجل منها.. تأتي صلاة العصر سريعًا،
وأراقب الشمس وهي تتحول للأصفر ثم الأحمر والبرتقالي، وأصمم على أن أسهر الليلة
لأكمل دعائي قبل الفجر. سيستجيب لنا الله يا كريم، لكن في وقته هو، وليس طبقًا
لوقتنا وتوقعاتنا نحن.. الله كبير.. :)
سنجلس معًا، أنا وأنت، يومًا ما، حول مائدة إفطار: فول
بالليمون والكمون وزيت الزيتون، بيض شكشوكة بالطماطم والفلفل الرومي الأصفر
والأمر، جبنة بالطماطم والنعناع وزيت الزيتون أيضًا، بطاطس مقلية بالكاتشاب،
جرجير وخس مقطعًا وعليهما ليمون، مربي فراولة وقشدة ليست كثيفة، قهوة تركية سكّر
زيادة رائحتها عبقة، وعصير برتقال طازج لم يصفّى بعد، والكثير من أرغفة الخبز
البلدي ذي الردّة.
ستسألني عن: وأخبار الحب ايه على حسّك؟ تمامًا مثلما في فيلم
"في شقة مصر الجديدة"، تعلم أنت أني أحبه، فأجيبك: بيسلّم عليك يا آبيه.
يحبّ كلانا الإشارة لفارق السنة الواحدة - أكبر مني - بيننا، فأشاكسك بأن هذا لم
يجعلك أكثر حكمة، ولم يحوّلني لأكثر عبطًا، إنما هو فقط خطأ تاريخي، لم ينتقص من
مكانة، أو يقلل من مودّة، تزيدها الأيام والعِشرة الحسنة، بيننا..
يدوم الودّ يا كريم، يدوم الوِدّ .. :)
21-4-2014
_____________
نُشرت على الفيس بوك
_____________
نُشرت على الفيس بوك
No comments:
Post a Comment