بمجرد أن طُلب منا الكتابة عن
المرايا، دقّت ذاكرتي الباب ففتحت لها لتريني تراثًا محفوظًا داخلها عن ماري
الدموية ورجل الحلوى ورؤية وجه العريس في المرآة. تصورت أن يكتب الجميع مثلي، إذ
إننا جيل تربى على الأساطير التي يفنّدها العم رفعت إسماعيل، لكن بسؤال سريع
للمحررة أجابت باسمة بأنهم لم يفعلوا. في المقالة التقريرية – التي أرجو ألا تكون
مملة! – التالية أكتب نبذة مختصرة عن المرآة في الأساطير الغربية.
بداية، ورد في كتاب
"التكوين" من الإنجيل أن الربّ حينما خلق الإنسان جعله على شاكلته، الأمر
الذي يفترض أن المرء عندما ينظر في المرآة فإنه سيرى وجه الله. ولمّا كان هذا غير
ممكن، لأنك تُجازى على الإيمان بالغيبيات، فالأوفق في هذه الحالة أن المرء عندما
يطالع المرآة فإنها تعكس روحه، ومن هنا جاء الإيمان بأن المرايا تحجز روح الإنسان.
والتنويعات على هذا الإيمان كثيرة،
منها مثلاً تغطية المرايا في البيت الذي يموت فيه شخص، لكيلا تحجز روحه وتمنعها من
الذهاب للسماء، فتظل تهيم في الزجاج المطلي للأبد. ومنها أيضًا عدم وجود انعكاس
للإخوة مصاصي الدماء الأفاضل، حيث إنهم "غير موتى" ولا روح لهم. هذا
المعتقد الخاص بأبناء دراكيولا مستمر حتى الآن، وينعكس في الأفلام الغربية المنتجة
عنهم.
في أوائل القرن السابع عشر، عندما
انتشرت صناعة المرايا من الزجاج المفضض، ذاعت شائعة تقول بأن كسر المرآة يجلب سبع
سنين من النحس. يمكن ردّ هذه الأسطورة ببساطة لسعر المرايا الباهظ آنئذ، حيث ربما
يستغرق الأمر سبع سنين للادّخار وشراء واحدة جديدة. وتعود جذور الأسطورة أيضًا
لمقولة إن المرآة تحبس روح الرائي، وبهذا فعندما تنكسر تأخذ جزءًا من روحه معها.
لكن يوجد لذلك المعتقد آخر يردّ عليه، حيث إنهم كانوا يحيلون المرآة المكسورة
لتراب كيلا تستطيع حمل أي جزء معها، كما أنهم آمنوا أن الروح البشرية تجدد نفسها
كل سبع سنوات، وبذلك يعود لمن كسر المرآة جزيء روحه المحبوس.
قليلاً للخلف:
يعود تاريخ "فكرة" المرآة
للعام ستة آلاف قبل الميلاد، في أناضوليا بتركيا الحالية، حيث كانوا يستخدمون "السَبَج"
أو الزجاج البركاني الأسود، شديد اللمعان والمصقول جيدًا، فكان يعكس الصورة
الموضوعة أمامه. بعدها جاء النحاس المرقق بعناية، في مصر القديمة بالعام ثلاثة
آلاف قبل الميلاد. وفي الصين، كانت المرايا تُصنع من البرونز بداية من العام 2000
قبل الميلاد. أما المرآة المصنوعة من أي معادن ثمينة أخرى فاحتكر الأغنياء صناعتها
خصيصًا لهم.
وبالنسبة للزجاج المغطى بالمعادن،
فيعود تاريخ صناعته للقرن الأول الميلادي، في سيدون أو لبنان الحالية. وقد ابتكر
الرومان أيضًا طريقة لصناعة المرايا الخام عن طريق صبّ طبقة رقيقة من الرصاص
السائل على الزجاج أثناء نفخه. وكانت فينيسيا في بداية عصر النهضة الأوروبي مركزًا
لصناعة المرايا عن طريق تغطية الزجاج بتوليفة من الزئبق والصفيح. أما المرايا
المفضضة المنتشرة في عصرنا الحالي، فقد اخترعها العالِم الألماني خوستوس فون ليبيج
في العام 1835.
ماري الدموية:
تنتشر في الوعي الجمعي الغربي أسطورة
ماري الدموية، بتنويعات مختلفة، فتارة هي امرأة خُطف أطفالها فانطلقت تخطف وتقتل
أطفال الآخرين، خاصة البنات الصغيرات، وأن أهل القرية عاقبوها كما يعاقبون
الساحرات ساعتئذ؛ بالحرق، وأخرى أنها أصيبت في حادث سيارة وشوّه وجهها وماتت دون
أن تصعد روحها للسماء، فظلّت على الأرض تهيم من خلال المرايا. لكنهم أيًا كان عمل
ووضع ماري أثناء حياتها، فإن من تتملك منه الجرأة التي تبلغ حد الحماقة لنطق اسمها
"أوه يا ماري الدموية، إني أناديك، يا ماري الدموية، يا ماري الدموية"
ثلاث مرات أمام المرآة في الليل، فإنها تحضر عاصفة غاضبة من قتلها أو إحراقها
أثناء حياتها، وتنهي حياة من ناداها، غالبًا نهاية مؤلمة مثل الحرق أو التعذيب حتى
الموت أو تشويه الوجه، انتقامًا من أحفاد من قتلوها.
عريس يا أماي:
انتشرت في انجلترا وأوروبا الغربية
عامة خرافة أن الآنسات الصغيرات يمكنهن رؤية عرسان المستقبل، وذلك إذا تطلعن
للمرآة في منتصف ليلة مقمرة، على ضوء شمعة وهنّ يمشطن شعورهن. وتنويعات على هذه
الأسطورة بأن بعضًا منهنّ يرين أوجهًا متعفنة، دلالة على الموت، فإما ستموت هي قبل
أن تتزوج أو سيموت عريسها مباشرة بعد الزواج. طريقة أخرى وهي صعود السلم إلى
الخلف، ممسكات بالمرآة في يد والشمعة في أخرى، منتظرات رؤية أي وجه. غالبًا ما
تنتهي هذه المحاولات نهاية مأسوية، إذ إن بعضًا منهن يرين الروح الشريرة الساكنة
في المرآة، غالبًا ماري الدموية، أو سترى أول من سيموت من العائلة، أو ببساطة
ستسقط من على السلم لتدق عنقها!
هانز كريستيان أندرسن:
كتب أندرسن الذي استمد جذور بعض
حكاياته الخرافية من الأساطير الشعبية التي سمعها عندما كان صغيرًا عن ملكة الثلج.
يُقال أن الشيطان صنع مرآة كبيرة لا تعكس الصورة الحقيقية، بل تُظهر الرائي بكل
قبيح ونقيصة، وبذلك تعكس العالم كله بصورة مليئة بالقبح والعذاب البشري. وعندما
حاول إدخالها الجنة ليرى تأثيرها على الملائكة، سقطت من يده إلى الأرض وتحطمت آلاف
القطع الصغيرة جدًا، مثل حبات الرمال، وتناثرت في أعين وقلوب المزارعين
بالدانمارك، لتجعلهم ممرورين لا يروا سوى القبح. وهناك فتاة صغيرة اسمها جيردا،
وُضع على عاتقها إزالة أثر هذه المرآة ومحاربة ملكة الثلج، لاستعادة رفيقها في
اللعب، كاي، المصاب بلوثة مرآة الشيطان.
وأخيرًا، اتساءل: لمَ كانوا يرون كل
هذا الكم من الخرافات محاطًا بأداة بسيطة مثل المرآة؟ هل هي الظلال المنتشرة بكثرة
في عالم ما قبل اختراع الكهرباء؟ هل هي مفردات الظلام وأساطير المرأة المنتقمة، وخطف
الأطفال وأكلهم، والتي كان الأهالي يخوفون بها الصغار كيلا يلعبوا بالخارج بعد
غروب الشمس؟ ولماذا لم نعد نرى غير وجوهنا في مرايا الحمّام أو المرآة الشخصية؟
أين ذهب السِحر من العالم؟؟
___________________
نُشر في موقع "نون":
http://nooun.net/article/971/
___________________
نُشر في موقع "نون":
http://nooun.net/article/971/
No comments:
Post a Comment