Sunday, May 25, 2014

خاطر مفزع



فيه شيء مفزع بخصوص كرب ما بعد الصدمة، ده إذا مكانش كله مفزع: إنك بتشكك في مشاعرك.. تحس بشيء ما، تحس إنه أصلي جدًا ونابع من جواك ولازم تجري وراه، زي مثلاً - مثلاً وليس حصريًا - إنك تفتكر صاحبك اللي استشهد، سواء كنت جنبه ولا سمعت وإنت قاعد في الشغل لا حول لك ولا قوة، سمعت بالخبر فتنحت للشاشة كتير جدًا، وبعدين أخدت إذن وطلعت تجري في الشوارع وخطوتك مش مساعداك إنك تمدّ، خصوصًا إنك قررت اليوم المنكود ده تلبس جيبة مش بنطلون.. وصلت للمستشفى ومعرفتش تشوفه، سندت ناس كتير وقعت ع الأرض، سبتهم كلهم وروّحت لوحدك وإنت مبتحبش تروّح لوحدك.. 

أهو ده بالتحديد، الاسترسال السابق ده، سيبان نفسك للمشاعر تجرفك وتقعد تفكر وتفتكر وتعيد وتزيد مع نفسك، تحديدًا ده اللي بيفشخ الواحد.. معذرة مش لاقية تعبير آخر يعبر بدقة عن الدماغ لما تتفرتك وتروح ميت حتة، لمجرد إنك افتكرت لمحة عابرة من يوم تقيل عدّى عليك.. 

نرجع للنقطة الأولانية: المفزع في الأمر إنك لما تحس بكده وتنجرف ورا إحساسك ده، بتقع على الأرض من الفرتكة والألم ورغبة عنيفة في الصراخ وعنف موجه للأشياء طالما مش قادر توجهه للأشخاص.. في هنا تحس بالخديعة: يعني مشاعري بتعمل ليه فيا كده؟ 

مع الوقت والتمرين والإدراك المستمر لحالتك وللتغيرات اللي بتحصل لك، ح تتعلم تكبح مشاعرك، تكبح الاسترسال في الحاجات الوحشة، في الأوقات السيئة اللي عدت عليك، في المناظر والمشاهد اللي بتغمر عقلك فجأة... صدقني ده صعب جدًا، بس الأصعب والأنكى منه إنك تسيب نفسك للمشاعر دي أو لاسترسالات الصور والمشاهد والأحداث اللي عدت عليك أو قريتها أو شفتها..

مع الوقت بتحس إن مشاعرك فعلاً بتلعب بيك، وإن عقلك مش ملكك، ده بيتصرف بإرادة خاصة بيه، إرادة فرضتها عليه الصدمة، يعني هو مسكين مش شرير، هو بس مش عارف يتصرف إزاي.. 

عشان كده الأدوية مهمة، الأدوية بتغير في كيميا المخ.. فلو افترضنا إن العنصر ص - هو عنصر حقيقي بس مش متذكرة اسمه - المسؤول عن الإحساس بالنكد والغلبة على أمرك والاستسلام والهزيمة، ييجي الدوا - نحمد الرب على نعمة الدوا حتى لو كان غالي أو ليه أعراض جانبية - يقوم يحط جوه دمك العنصر م، اللي بيقاوم وبيخفف من تأثير العنصر ص، تقوم متحسش بالمشاعر دي، أو تحس بيها على خفيف.. 

الكلام برضه مهم.. إنك تتكلم عن ألمك وتقول كده "أنا حاسس بالألم". .إنك تدي مشاعرك أهمية لدرجة إنك تتكلم عنها ومش تتجاهلها، إنك تقول لها أنا معترف بيكي مع إنك بتفشخيني، ح اطلعها للعلن.. صدقني، أو متصدقنيش، جرّب بنفسك، لما تتكلم ألمها بيخف شوية جواك، بيخف حاجة بسيطة، بس تكرار الحكي بيجفف المشاعر المصاحبة للكلام أو الذكرى اللي بتقولها، بالتالي لما تهجم عليك تاني وتفتكرها مش ح تتألم نفس الألم السابق، وندعو الله إن الألم يختفي تمامًا.. 

نقطة تانية بخصوص الكلام، إنه بيساعدك على ترتيب مشاعرك وأفكارك. تخيل إن الخلية العصبية عبارة عن كورة متفرع منها كور تانية مرتبطة بروابط عصبية للكورة الأم، وإن مشاعرنا وأفكارنا مترتبة جوه دماغنا بالطريقة دي. لما تتكلم بتحط روابط وعلامات وتجيب من هنا تحط هنا بالنسبة للمشاعر/الأفكار/الخلايا العصبية.. ده مريح نسبيًا لأنه بيجاوب على أسئلة كتيرة، وكمان بيرتب الدنيا في دماغك، فتحس إن "الرابط العجيب" اشتغل وفهمت حاجات، ورتبت حاجات جنب بعضها.. 

...

الطريق طويل ومش سهل، افتكر كمان إن الاضطراب ده بيخلي الواحد يتساءل عن كل ثوابته وإيماناته ومعتقداته، بيخليه مش واقف على أي أرضية من أي نوع، وده مؤلم جدًا، مؤلم لدرجة النشع على ألم جسدي رهيب، لغاية ما ربنا يكرمك وتبتدي تحط بنفسك قوالب طوب تبني بيها أرضيتك، كإنك طفل صغير بيتعلم ثوابت الأشياء من أول وجديد، وإنت ونصيبك، يا وقفت مسنود يا وقفت معووج..

بس ربنا مبيسبش حد.. ربنا مبيسبش حد..

________________
نُشرت على الفيس بوك
21-10-2013

No comments: